قالَ لي: أعرفُ ما لا تعرفُ،
وأقفُ بجنبات الحُلْمِ،
أضيءُ ظلكَ يحْبِكُ صورتكَ،
أراكَ مكتّظاً فيكَ
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.
تستأنسُ بي في وحشةٍ لا تطالُ معرفةً،
ترنو إليّ كورقة خريفيّةٍ
تدلّت من أخمصِ الغيب،
وأرنو إليكَ من جبروتي،
أُحصي اللامنتهى في حُزْنكَ،
أُشفقُ عليّ فيكَ،
وأشفقُ عليكَ فيّ،
أتدلّى بين جفنيكَ فأدنيكَ مني،
أتساقطُ زخّاتٍ
فتعرقُ الروحُ بينَ جنباتك،
تنهمرُ الذكرياتُ
فتلفحُ قلبك،
وتنهمرُ الأمنياتُ
فتصدح بالشكوى
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.
وقال لي: بُعدي عنكَ آخرةٌ ،
وقربي نجاةٌ وحياة،
وأنتَ شبيهي في الدنوّ والبعد،
وغريمي في الصمتِ والعلوّ،
وشبيهي في الحُبّ
وفي شهقة الدهشة والفرحة،
أشهقكَ فتزفرُني،
وتشهقني فأزفرك،
أضمكَ فأكسرك وأجبرك،
تنامُ على وسادةٍ
لا يطأها جسدي،
تتقلّبُ كلّ لحظةٍ تموتُ وتحيا،
تُفارقُ أنفاسكَ فتلقاكَ لقاءَ المُسافر، ولا مفرّ.
وقال لي:
ترجّل عن خُطاكَ
واسلك الريح
إنّها الباقيات الحالكات
ولا تجعل منامكَ سحابة من زجاج
إنْ مرّ عنها عابرٌ أنّت فيه المرايا
وقال:
لا تسألني بعدَ اليومِ عن خطايا الخوف
لفّ هشاشتي بدمعةٍ مؤجّلة
وارحل مع الراحلين.
وقال:
لأنكثنّ بوعدي..
قبلَ أن يرتدّ طرفُك.
وقبْلَ أن تهذي
فيكَ عروقُ الخوفِ
فتبتلّ بالأغاني..
وتحمحمَ الروحُ
في أغوار النفسْ..
فلي فيكَ سُلطانٌ
وأهوالُ..
ولي عليكَ
شهقةٌ
ورعدةٌ
تنمنمُ في سريرتكَ
وأسرارك..
ومنكَ
لي
هبّةٌ
تكابدُ فيكَ
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.
وقال:
لا ثباتَ بعدَ اليوم
لا طيرَ تأكلُ من رأسكَ
ولا خمراً تعصرُ فجرا..
فامنح الريحَ جناحيكَ
وطرْ..
في هبوبٍ أخير..
قصعةً من حنين
منكَ وإليكَ..
حفنةً كنتَ
وحفنةً صرتَ
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.