المرأة في شعر راشد حسين – نبيل طنّوس

 

قــالـت: سألتُكَ بالغـرامِ الأوّلِ –  أجميعُ قــلبِـكَ لي، وكـلُّ هـواكَ لي؟

فأجـبـتُها: خـطأً ظنـنتِ فـمـوطني – هو من فـؤادي في المكانِ الأوّلِ

قــالت: أفــيه حلاوةٌ كحـلاوتي؟ – أم أنَّ فــيه تعـطُّري وتَجّــــــمُّلِي؟

فـأجبتُها: لو ما كنـتِ بـعضَ جـمالِهِ – ما كنتِ في هذا الفؤادِ لتنزلي!

أحـبــبـتُ فيـك الكـبريـاءَ لأنّها – مـأخـوذةٌ مــن كـبرياءِ “الـكـرمـلِ”

( حسين 1957، ص 55).

 

عاش الشّاعر راشد حسين (1936- 1977) في مجتمع محافظ وقاسٍ، مجتمع أبويّ يؤمن بمنظومة تقاليد تقدّس الذّكوريّة وتُغَيِّب المرأة، وتعتبرها أقلّ قيمة وضعيفة أمام الرّجل، وترفض علاقات الحبّ، وأكثر من ذلك ترفض علاقات الصّداقة بينها وبين الرّجل، وتقدّس العذريّة الّتي تحدّد شرف العائلة؛ لهذا استبدّ بها المجتمع، قمعها وظلمها.

تقول لينا أمين الشّيخ- حشمة (الشّيخ حشمة 2019، ص 8، الاتحاد الملحق): “لقد استطاع الرّجل منذ عصور تاريخيّة قديمة أن يأسر المرأة بتابواته، أن يهتك حقوقها بأعرافه، أن يحبسها خلف قضبان خانقة غير مرئيّة جعلتها تعيش غربة ومنفًى داخل وطنها ومجتمعها، حبيسة مسلوبة الإرادة لعصور طويلة وهو ينظر إليها نظرة فوقيّة، ولا يؤمن بقدراتها العقليّة ولا بحقوقها وحرّيّاتها، هي تابعة له ولا حياة لها من دونه، فحتّى في خطاب المساواة والمشاركة نجد احساسًا بالتّفوّق نابعًا من الرّؤية بمركزيّة الرّجل”

للمرأة في شعر راشد حسين مساحة واسعة، ومكانة مرموقة لأنّها تشكّل مصدرًا لدراسة الثّقافة السّائدة والمسيطرة في حينه في المجتمع الفلسطينيّ خاصّة، والعربيّ عامّة. في شعره نجد ثلاثة محاور حول المرأة:

  1. المرأة الأمّ
  2. المرأة الأنثى عامّة
  3. المرأة الحبيبة

في هذه المحاور الثلاثة ترتبط المرأة بالأرض وبالوطن ارتباطًا وثيقًا لدرجة أنّه يصعب على القارئ أن يحدّد هل يتحدّث الشّاعر عن المرأة بمحاورها الثلاثة؟ أم يتحدث عن الوطن؟ وأفضل مثال على ذلك قصيدة القدس في عينين”  ( حسين 1976، ص 17.)

“لونُ عينيكِ نخيلْ

لونُ عينيكِ دوالي

لونُ عينيكِ كحبّي القدسَ

غالٍ

ألفُ غالي

وجريحٌ لونُ عينيكِ كشِعري

وجميلٌ مثلُ حبّي

وطويلٌ كاعتقالي

……………….”

من هو المخاطب في هذه القصيدة؟ هل هي القدس؟ هل هي حبيبته؟

من هنا نقول إنّ المرأة تشكّل، بَعْدَ المكان، معادلًا موضوعيًّا محوريًّا ثانيًا، ونرى بأنّ هذا ليس غريبًا في السّنوات الأولى بعد النكبة، عندما كان يبحث الإنسان العربيّ عن منفذ للتّعبير عن انتمائه وعن ألمه ومعاناته فتمازجت المرأة الأمّ والحبيبة والمرأة عامّة مع الأرض والبلاد والوطن، خصوصًا وأنّ المرأة تمتلك أعظم شيء مقدّس في التّراث العربيّ ألا وهو العرض والشّرف، ومن هنا تمّ المزج بين الوطن والمرأة في الأدب عامّة والشّعر خاصّة، وربّما شكّلت وسيلة دفاع نفسيّة من أجل الحفاظ على البقاء، فيوظّف الشّاعر شعوره بالفقدان كمعادل موضوعيّ لقدرته على البقاء، وهكذا يحمي ذاته ومن حوله.

 

  1. المرأة الأمّ:
  • قصيدة “إلى أمّي” (حسين 2004، ص 519):

“تمدّينَ جرحًا على الجرحِ حتّى

لأحتارُ، أيّهُما كانَ أكبرْ

ويمشي دمي، حاملًا قبلةً

ليافا.. فيُضحي دمُ الجرحِ أخضرْ

لأنّكِ أُمِّي.. أُحبّ الجليلَ

وحيفا ويافا.. فأهواكِ أكثرْ”

في هذه القصيدة لا يعبّر الشاعر عن حنينه وشوقه وتلهفه لرؤية أمّه، فهذه أمور مفهومة ضمنًا ومفروغ منها. جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ يعني: صحبتي، قال: «أمّك»، قال: ثم من؟ قال: «أمّك»، قال: ثم من؟ قال: «أمّك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك». ومن هنا يصّح القول: “أمّك أوّلًا وليأت بعدها من يأتي”. (منقول).

تشكّل هذه القصيدة معادلًا موضوعيًّا لحبّه لوطنه، فكيف نفسّر ما يقوله:

“لأنّكِ أُمِّي.. أُحبّ الجليلَ

وحيفا ويافا.. فأهواكِ أكثرْ”

هو نشأ في حضنها، ورضع منها حبّ وطنه؛ ولأنّها أمّه أصبح يحبّ البلاد أكثر، ولم يقتصر حبّه على بلده مصمص في المثلّث الشّماليّ فقط، إنّما حبّه لكامل فلسطين الّتي لم يذكرها بالاسم، إنّما يذكر أماكن منها تمثّلها كاملة: الجليل، حيفا، ويافا.

  • قصيدة “من لاجئ إلى أمّه” (حسين 1958، ص 8.) :

…………………………..

“ولخيمتي بابان يا أمّي كأبواب العذابْ

باب يقود إلى الجحيم إلى الشّتائم والسّباب

نحو الخيام العابسات كبعض أكداس السّحاب

وهناك في جهة السّماء على جبين السّقف باب

تبدو النّجوم خلاله كاللّاجئين بلا ثياب”

في هذه القصيدة لا يتغنّى الشّاعر بأمّه، بل يشكو لها حالته وعذابه كلاجئ، ويصف لها مكان سكنه. يسكن خيمة ويكرّر كلمات الألم: عذاب، جحيم، شتائم، سباب، ولاجئ بلا ثياب. حالته هذه هي حالة كلّ فلسطينيّ بقي آنذاك في وطنه ويشعر بالغربة كحالة من يعيش في المخيّمات خارج فلسطين. وما يؤكّد كون الأمّ معادلًا موضوعيًّا هو قوله في القصيدة ذاتها:

“مجنونة والله يا أمّاه أفكاري العجيبة

بالأمس قالت لي: تعال نزور داركم القريبة.

أنسيتها؟ أنسيتَ أمّك والأقارب والخطيبة؟

أنسيتَ عطر اللّوز في شفة الحواكير الرّطيبة؟

لم أنسها! لم أنسها! والله يا أمّي الحبيبة!”

أفكاره تطلب منه زيارة دارهم ويتساءل:” أنسيتها؟” أي أنسيت دارك؟ “أنسيتَ أمّك والأقارب والخطيبة؟”، هذا السّؤال الإنكاريّ يؤكّد أنّه يذكرهم جيّدًا، ولكنّه لم ينسَ الدّار، ولم ينسَ الحواكير، ولم ينسَ البلد ،ولم ينسَ براعم الزّيتون والحقل، وغيرها.

  • قصيدة: “آخر رسالة لم يكتبها كمال ناصر إلى والدته” (حسين 1976، ص 47.)

“………………………..

حبيبتي!

والدتي!

ٱسمُكِ “يافا”؟ أم “بساتينُ صفدْ”؟!

كوني كما كنتِ

ولا تنتظري الجمعةَ

أو يوم الأحد!

فأنت كلّ ناقوسٍ

كُلّ قصيدةٍ

وكلّ مئذنةٍ!

وأنت دائمًا قصيدتي الأولى

قصيدتي الأخيرةْ

حبيبتي الأولى

حبيبتي الأخيرةْ”

في هذه القصيدة يتأكّد التّمازج بين الأمّ والوطن الّذي يتمثّل في يافا وبساتين صفد. أنت يا أمّي “كلّ ناقوس” في الكنائس و”كلّ مئذنةٍ” في المساجد، لذلك أنت قصيدتي الأولى والأخيرة، وحبيبتي الأولى والأخيرة. الأمّ هنا رمز للشّعب الفلسطينيّ الواحد بكلّ أطيافه.

 

  1. المرأة الأنثى عامّة:
  • قصيدة “الحبّ والنّاس في القرية” (حسين (1959) في 2004، ص 332.)

“حينما تشرقُ في إحدى القرى

لـلهوى قـصّةُ حــبٍّ صادقـةْ

……………………………..

ويُرى في قفص الظّلمة سُلّمْ

وعـــلى السّلـّـمِ سكّينٌ مسممْ

ورجالٌ  شحذوا  أظــــفارهــم

يحفرون الّلحدَ في حقلٍ مهدّمْ

وتُرى في ساحةِ الدّار عظامٌ

نـخـراتٍ، لـعجوزٍ غــجريـــّةْ

نصفُ عمياءَ..  وفي راحتِها

إبرةٌ تنسجُ أكفانَ المنيّةْ

وعلى مسطبةِ البيتِ سحالي

بلحى بيضاء ………

ألَّفوا ألفَ حديثٍ نبويٍّ

………… ودجّالٌ ملثّمْ

عن حديثٍ نبويٍّ يتكلمْ:

……………….

حينَ ينمو الحبّ في إحدى القرى

يطعمونَ الدّودَ لحمَ العاشقةْ

ويقولُ النّاسُ عن جلّادِها:

“كانَ حُرًّا صارِمًا كالصّاعقةْ”

ما الّذي يفهمُه يا وطني

عن حنينِ الحبِّ أخماسُ الرّجالْ؟

……………………………

يأكلونَ الفحمَ والنّورُ وفيرْ

ويبيعونَ نساءً بشعيرْ

…………………………

حين ينمو الحبّ في إحدى القرى

يحرقُ النّاسُ حياةً صادقةْ

…………………………”

في هذه القصيدة “الحبّ والنّاس في القرية” يطرح الشّاعر موضوعًا اجتماعيًّا مركزيًّا في منظومة التّقاليد المحافظة في المجتمع العربيّ، وهو  كيف يتصرّف النّاس في القرية إذا ظهرت  قصة حبٍّ في تلك الأيّام ، ونحن لم نجد فرقًا بين الرّجال والنّساء، الكلّ كان يرفض قصص الحبّ وربّما حتّى أيّامنا، إذ يهتمّون بالإعلان عن رفضهم تبعًا لتصرًف الجميع، وكان يبدأ الجميع باختلاق القصص وتعظيمها  ونشر الشّائعات، وإثارة الغضب والفتنة بين العائلات أو بين الطّوائف، ويعرّضون حياة الفتاة للخطر ويدّعون بالحفاظ على ما يُسمّى “شرف العائلة”. يعبّر الشّاعر عن رفضه لهذه التّصرّفات الّتي تنطلق من السّلطة الذّكوريّة الّتي تسعى لإخضاع المرأة ودونيّتها، كما ويعلن الشّاعر تمرّده وغضبه على النّاس الّذين ينشرون الشّائعات ويختلقون القصص ويبيحون لأنفسهم التّأويل كما يشاؤون، بحجّة الحفاظ على تماسك المجتمع حتّى لو أدّت تصرّفاتهم إلى قتل الفتاة. على الرّغم من وجود طرفين: الشّاب والفتاة في كلّ قصّة حبّ، إلّا أنّ المجتمع أبويّ- ذكوريّ يفضّل الذّكر على الأنثى، وفي الحقيقة هذا التّفضيل هو جزء أساسيّ من عاداته، وأيّ تصرّف للأنثى قد يؤدّي إلى المتاعب للرّجل ويمسّ كرامته؛ من هنا كانت التّقاليد تحدّ من حرّيّة الفتاة.

في هذه القصيدة تماهى الشّاعر مع قضايا المرأة، ووقف ضدّ تهميشها، وهذا يبدو جليًّا أيضًا في قصيدته “اليوم جئت” من كتاب “قصائد فلسطينيّة” التي ألقاها في كفر ياسيف، حيث يؤكّد فيها مكانة المرأة النّضاليّة، ويعلن فيها أنّ الأمّة الّتي تسجن المرأة لن تتحرّر وسوف تبقى عرجاء في سَيْرِها. يقول الشّاعر:

“شرقيّةٌ ترمي الذّليلَ بنظرةٍ – حمراء فهو على الثّرى أشلاءُ

لن تُشرِقَ الآمال في أوطاننا – إن لم تُساعد آدمًا حوّاءُ

فَلأُمَّةٌ حواؤها مسجونةٌ      –   هي أُمّةٌ في سيرها عرجاءُ

قد أوشكَ الأمواتُ أن يستيقظوا – فمتى سينهضُ عندنا الأحياءُ” (حسين 2004، ص383)

 

  • قصيدة “هي.. والأرض” (حسين 1976؛  حسين 2004 ص 456-457.)

“باع أرضه للصّهيونيّين ليدفع مهر خطيبته فكتبت له”:

“وبِعتَ التّرابَ المقدّس يا أنذلَ العاشقينْ

لتدفع مهري؟!

وتبتاع لي ثوبَ عرسٍ ثمينْ.

فماذا أقولُ لطفلكَ لو قالَ:

“هل لي وطنْ”؟!

وماذا اقولُ لهُ إن تساءَلَ:

“أنت الثّمنْ”؟!

…………..

أمن وجع الأرضِ…. تصنعُ أفراحَ

قلبي الحزينْ؟

أعُرْيُ البيادرَ يا نذلُ

يُلبسني ياسمينْ؟”

في هذه القصيدة وصف للفتاة الفلسطينيّة المناضلة الّتي ترفض عريسها لأنّه باع أرضه للصّهيونيّين كي يدفع مهرها ويشتري لها لوازم عرسها. هي ترفض عريسها بشكل قاطع وتتساءل حول المستقبل: ماذا تقول لابنها إن تساءَلَ: “هل لي وطن؟” ابنها هو كناية عن جميع أبناء الشّعب الفلسطينّي. هي لا ترفض عريسها فقط، إنّما تشتمه على فعلته وهي خيانة شعبه فتقول له: يا أنذل العاشقين، خنت وفاء بساتينها، مزّقت حلمات ليمونها، بعت جدائل زيتونها، تفضح والدة أرضعتك، يا نذل.

 

  1. المرأة الحبيبة:
  • الحبيبة الأنثى:

يتغزّل الشّاعر بمحبوبته كغرض من أغراض الشّعر. يعبّر عن أحاسيسه تجاه محبوبته، يصف جمالها، ويعبّر عن شوقه إليها وإلى التّواصل معها، متحسّرًا على بعادها، وعلى صعوبة التّواصل بسبب العادات والتّقاليد الاجتماعيّة:

  • قصيدة “لا أنام” (حسين 1957، ص 39.)

“عيناك والحزنُ المخبَّأُ فيهِما لم أنسهُ

وهواكِ يملأُ منه قلبي كلَّ صبحٍ كأسَهُ

لو شاء أن ينسى هواكِ وأن يحطّم حبسَهُ

أسكنْتُه يا حلوةَ البسماتِ حتمًا رمسهُ

لكنّه ما زال يخفِقُ لا ينامُ ولا أنامْ”

قصيدة غزلية لشاب يحبّ فتاته ويقلق بسبب حبّه لها، ولا ينام. عنوان القصيدة “لا أنام” هو عتبتها، وينهي مقطوعاتها الثّلاث بحيث يصبح العنوان هو النّقطة المركزيّة في القصيدة (البوينتا).

 

  • قصيدة “الثوب الأزرق” (حسين 1957، ص 59.)
  • “لولا ثنايا ثوبك الأزرقِ

لم يضطرب قلبي ولم يخفقِ

……………….

عيناك يا سمراءُ ما زالتا

سريرَ قلبِ الشّاعر المشفقِ

……………

لا تهمسي: يا ليت لم نلتقِ

لم تُخلَقي إلّا لكي نلتقي

………….

لم أهوَ لونَ البحرِ لو لم تكن

أمواجه من ثوبكِ الأزرقِ”

يصوّر الشّاعر الأحاسيس الّتي تجول في خاطره فيكشف خلجات نفسه ورغبته الشّديدة في لقائها. يبالغ في وصف جمالها لدرجة أنّ البحر أخذ لونه الأزرق من لون ثوبها.

  • أبيات شعر غزليّة من قصائد مختلفة:
  1. “تبكين عاتبةً فمن أبكاكِ؟

ومن الّذي بمحبّتي أغراكِ

تبكين عاتبةً عليّ فليتني

قَدَرٌ أُحقّق في الحياة مُناكِ” ( حسين 1957، ص 49.)

  1. “ألقاكِ في دربي بلا موعدٍ

لكنّه في خاطري مُضمرُ

لا تبخلي هاتِ أعطني قبلةَ

لعلّني من خمرها أسكرُ” (حسين 1957، ص 56. )

  1. “وأعدتِ السّفطَ الّذي لم تفتحيه

لم تعرفي ما كان فيه

وأنا الّذي أمضيتُ ساعاتٍ أدورُ لأشتريه” (حسين 1960،  في حسين  2004، ص 367. )

 

  • الحبيبة والوطن

قصيدة “هي وبلادي” (حسين 1957، ص 55.)

قالت: سألتُكَ بالغرامِ الأوّلِ

أجميعُ قلبِكَ لي، وكلُّ هواكَ لي؟

فأجبتُها: خطأً ظننتِ فموطني

هو من فؤادي في المكانِ الأوّلِ

…………………………………..

فأجبتُها: لو ما كنتِ بعضَ جمالِهِ

ما كنتِ في هذا الفؤادِ لتنزلي!

أحببتُ فيك الكبرياءَ لأنّها

مأخوذةٌ من كبرياءِ “الكرملِ”

………………………..

فأجبتُها متبسِّمًا: أنسيتِ في

حيفا تموُّجَ بحرِها المسترسلِ؟

هذا الدّلال العبقريُّ سرقتِهِ

لمّا اغتسلت بموجه المتدلّلِ

……………………………..

للحبّ نحو القلبِ دربٌ واحدٌ

ولموطني في القلبِ مائةُ مدخَلِ

وطني أحبُّ إليَّ رغمَ جفائِهِ

……………………………

يا شاعري أحببتُ مثلك موطني

أنا لستُ إلا أُّختُ زهر الكرملِ”

يتّضح جليًّا أنّ المرأة هي المعادل الموضوعيّ للوطن، فحين سألته عن حبّه لها: “… سألتُكَ بالغرامِ الأوّلِ أجميعُ قلبِكَ لي، وكلُّ هواكَ لي؟ أجابها الشّاعر: خطأً ظننتِ فموطني هو من فؤادي في المكانِ الأوّلِ”. يعبّر الشّاعر عن مقدار حبّه لوطنه مقارنة لحبّه لحبيبته، فهو يحبّها لأنّها من وطنه.

خلاصة

للمرأة في شعر راشد حسين مساحة واسعة ومكانة مرموقة، وهي تشكّل مصدرًا لدراسة الثّقافة السّائدة في المجتمع الفلسطينيّ خاصّة والعربيّ عامّة. في شعره نجد ثلاثة محاور حول المرأة: الأمّ والحبيبة والفتاة عامة.

ترتبط المرأة بالوطن ارتباطًا وثيقًا وكثيرًا، وهذا ما يصعّب على المتلقّي معرفة عمّا يتحدّث الشّاعر، هل يتحدّث عن المرأة أم عن الوطن؟ من هنا نقول إنّ المرأة تشكّل بَعدَ المكان معادلًا موضوعيًّا محوريًّا ثانيًا، وهذا ليس غريبًا في السّنوات الأولى بعد النّكبة، عندما كان يبحث الإنسان العربيّ عن منفذ للتّعبير عن انتمائه وعن ألمه ومعاناته فتمازجت المرأة الأمّ والحبيبة والمرأة عامة مع الأرض والوطن، وربّما شكّلت المرأة وسيلة دفاع نفسيّة من أجل الحفاظ على الوطن وحماية سكّانه.

المراجع والمصادر

حسين، راشد. الأعمال الشّعريّة. حيفا: كلّ شيء، 2004.

حسين، راشد. أنا الأرض لا تحرميني المطر. بيروت: الاتّحاد العامّ للكتّاب والصّحفيّين الفلسطينيّين، 1976.

حسين، راشد. صواريخ. النّاصرة: مطبعة الحكيم، 1958.

حسين، راشد. مع الفجر. النّاصرة: مطبعة الحكيم، 1957.

الشّيخ – حشمه، لينا.  “شهرزاد في ظلّ ثالوث الحياة الأجمل: الحبّ، الخير والجمال”. الاتّحاد، 27.12.2019، الملحق، ص 8.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*