قالت لي أمي الشّريرةُ ذات يومٍ
بنيّتي!
أحببتُكِ جدًّا! لدرجةِ أنّه كانَت عليَّ ملاحقتُكِ أينما تذهبين؛ كي أعرفَ متى تخرجين، ومتى تعودين ومع من تقضين أوقاتِكِ!
أحببتُك جدًّا! لدرجةِ أَنِّني لم أتدخّلْ في صداقاتِكِ، وجعلتُكِ تكتشفين أنّ الأصدقاءَ الحقيقيين ليسوا إِلَّا عابري سبيل!
أحببتك جدًّا! لدرجةِ أنَّني وقفتُ فوقَ رأسِك وأنت تنظّفين غرفتِكِ لساعتين، والأمرُ لا يحتاج سوى ربعِ ساعةٍ بالكثير!
أحببتكِ لدرجةِ أَنَّني أظهرتُ لكِ غَضَبي واستيائي منكِ بدموعٍ كانت تملأُ مقلتيَّ!…
عليك أن تعلمي بنيّتي، أنّنا نحن الأهلُ، لسنا بمثاليّين!
أحببتُك حينَ سمحتُ لكِ أن تدفعي ثمنَ أخطائِكِ، وكانَ قلبي يتمزّقُ في داخلي خوفًا عَلَيْكِ!
وأكثرُ ما أحببتُ عندما قلتُ لكِ “لا”، وكنتُ على يقينٍ بأنّكِ ستكرهينني بعدها!…هذه كانت أعظمُ وأصعبُ تضحياتي في الحياةِ، وأظنُّ أنّني نجحتُ …. وأنا على يقين بأنّكِ قد نجحتِ أيضًا.
فعندما يكبرُ أولادُكِ، ستقولينَ لهم: إنَّ أُمِّي كانت شرّيرةً، بل الأكثرَ شرًّا في العالم…! لأنّه حينَ كانت الأمّهاتُ تقدّم لأولادهنَّ الحلوى في الصّباح، كانت أُمِّي الشّرّيرةُ تقدّم لنا البيضَ المسلوقَ والجبنَ والخضار، وعندما كان الأولادُ يتغدّوْنَ “البوريكاس” ويشربون “الكولا”، كانت أُمِّي تقدّمُ لنا الدّجاجَ والخضارَ والأرزَّ. وهكذا أيضا في العشاءِ أكلنا طعامًا صحّيًّا ومفيدًا.
أصرّت أُمِّي الشرّيرةُ أن تعرفَ أين نَحْنُ في كلِّ لحظةٍ؛ حتّى أنَّني شعرتُ بأنّني في سجنٍ…! أرادت أن تعرفَ من هم أصدقاؤُنا، وكيف نقضي الوقتَ معهم…! وإذا أذنت لنا بالخروجِ لساعةٍ؛ كانت ساعةً أو أقلّ!
أُمِّي الشّرّيرةُ نقضت القانونَ الَّذِي يمنعُ تشغيلَ الأطفالِ؛ فطلبتْ أن نرتّبَ الغرفةَ، أن نغسلَ الصّحونَ، أن نطبخَ الطّعامَ، أن نمسحَ الأَرْضَ، أن نرميَ النّفاياتِ في الحاويةِ وأن نغسلَ الملابسَ.. والمزيدَ من الأعمالِ الشّاقّةِ… أظنُّ أنّها كانت تفكّرُ حينَ تستلقي على سريرِها بماذا ستشغلُنا في اليومِ التّالي!
أُمِّي الشّرّيرةُ أصرّت أن تقولَ لنا الحقيقةَ… كلَّ الحقيقةِ!
عندما وصلنا لسنِّ المراهقةِ، نمت لها عيونٌ في مؤخّرةِ رأسِها، فكانت تقرأُ أفكارَنا. لم تسمحْ لأصدقائِنا بالتّصفيرِ لنا من الخارج؛ بل طلبت أن يطرقوا البابَ لتتعرّفَ عليهم بنفسِها.
عندما مارسَ أبناءُ الثّانيةَ عشرةَ الحبَّ؛ انتظرنا ذلك إلى حينِ الزّواجِ.
بسببِ تلكَ الأمِّ الشّرّيرةِ خسرنا التّجاربَ الّتي خاضها أبناءُ جيلِنا: لم يُضبطْ أحدٌ منّا في سرقةٍ، أو تخريبِ ممتلكاتِ الغيرِ …أو أيِّ عملٍ إجراميٍّ آخرَ!
كلُّ ذَلِكَ بسبِبِ تلكَ الشّرّيرةِ!
والآنَ، بعدَ أن تركنا البيتَ، نَحْنُ الآنَ مثقّفونَ ونعملُ كلَّ ما بوسعِنا لنكونَ لأولادنا أهلٌ شرّيرون…! تمامًا كما كانت أُمّي!
أظنُّ أنّ مشكلةَ العالمِ في هذه الأيّامِ، أنّه لا توجدُ بِمَا يكفي أمّهاتٌ شرّيرات!!
امال أبو فارس