اكتشفتُ أن زوجي يخونني بعد سبع سنوات من الزواج.
كنتُ أما لمايا ذات الخمس سنوات، وسالم ذي الثلاث سنوات ورائد الذي لم يبلغ من العمر أكثر من سنة، وزوجة لسائد، الطبيب الجراح الذي تزوّجته بعد قصّة حب كبير، وتلهّف واشتياق وتنازلات.
كنتُ معلّمة للغة العربية حاصلة على اللقب الأوّل من جامعة حيفا منذ عشر سنوات، وعلى اللقب الثاني منذ سبع سنوات، أعمل ربّة منزل ومربية أطفال، بعد أن تركتُ العمل اضطرارا منذ خمس سنوات.
كان الاكتشاف مرعبا، لم يكن لا على البال ولا على الخاطر. كيف؟ وقد تنازلتُ عن كلّ شيء من أجله، رضيتُ بحبّه ولم أطلب سوى رضاه. ذلك الرجل الوحيد الذي أحببته وظننتُ أنه يحبني وأنني محظوظة بحبه الذي سيدوم طوال العمر.
حدث الأمر مصادفة، إذ كنتُ أرتّب مكتبه في البيت، وقعت عيناي على وريقة تحت ملفاته.
«لاقيني بكرا حد البوابة الخضرا في الجنينة الساعة خمسة ونص».
كنت أعرف تماما تلك البوابة. لم توجد في مدينتنا أكثر من بوابة خضراء واحدة في جنينة. ثم إنها لم تكن غريبة عني وعنه. ياما التقينا هناك أنا وهو قبل سنوات، قبل زواجنا، مثلما تطلب منه الآن تلك المرأة الأخرى… المجهولة.
لا بد أنها إمرأة.
كيف أعرف؟
حدسي لا يخطئ.
كانت الساعة التاسعة صباحًا وكان عليّ الانتظار ثماني ساعات ونصف حتى أكتشف من هي تلك المرأة الأخرى.
داهمتني والأفكار.
ترى، من تكون؟ هل هي زميلة من زميلاته؟ إنه يعمل ساعات طويلة في المستشفى، يكون معهن أكثر مما يكون معي! معي ومع أولادنا.
هل هي شقراء؟ بيضاء؟ طويلة؟ نحيفة؟ ناهدة؟ فاتنة؟
يا لغباء الرجال! كيف يسهل على المرأة أن تسحر مثل هذا الطبيب الجرّاح الذي حظي بكل ما أراد وطلب؟! والله لم أنقِص عليه شيئا لا يوما ولا لحظة.
ماذا يريد بعد؟
أراد أن أترك عائلتي لأتزوّجه… تركتهم.
أراد أن أترك عملي لأتفرّغ له… تركته.
ولو أراد أن أحضر له القمر لأحضرتُه.
أهكذا يكافئني؟! بهذه البساطة يدوس على حبّنا ويختار تلك المرأة الأخرى، الحمقاء، متجاهلا أولاده، أولادنا، وبيته، بيتنا، ومشاعر زوجته، مشاعري؟!
ذهبتُ إلى تلك البوّابة الخضراء منذ الخامسة تماما، واختبأتُ وراء الشجيرات. جلستُ أراقب المكان، أتأمّل البوّابة وأنتظر.
مرّت الدقائق بطيئة، ثقيلة.
ترى، كيف تبدو المرأة الأخرى؟ لا بد أنها ممشوقة القوام، نحيفة الجسم، ذات شعر أشقر طويل، ملوّنة الشفاه بالحمرة الفاقعة. هذه هي المرأة التي يحبّها سائد. أنا أعرفه من زمان، أعرفه تمامًا، لكني لم أكن أعرف إلى أيّ حد تصل حماقته حتى يتجرّأ ويخونني بعد كل ما فعلته من أجله، وكل ما مرّ بنا من فرح، وترح وأمل وخيبة. عشر سنوات مرّت كالخيال، سبع سنوات من الزواج وثلاث سنوات من المعرفة قبل الزواج.
أهكذا يفعل بي؟؟ أهكذا يرمي كلّ شيء وراءه دون أي اعتبار؟؟
الخامسة وعشرون دقيقة.
ها هو سائد قد وصل، يقف عند البوّابة الخضراء، يتأمّل ساعته بقلق. يتحرّك بعصبيّة.
لماذا لا أخرج إليه وأفاجئه؟ لماذا لا أمنع هذا اللقاء بأيّ ثمن؟ لماذا أراقب ما يحدث دون أن أحرّك ساكنا؟ عليّ أن أمنع المرأة الأخرى من الوصول إليه والاستحواذ عليه. لكن، كيف؟؟
الساعة الخامسة والنصف.
ما زال سائد واقفًا هناك وحده. يتأمّل حوله. ترى، هل هو خائف من اللقاء؟ هل يشعر بتأنيب الضّمير؟ هل يفكّر بي؟ بأولاده؟ أم لا يشعر بشيء سوى تلك المرأة الأخرى، الخبيثة؟
تأخّرت المرأة وهو ما يزال ينتظرها، وأنا أنتظرها بفارغ الصّبر مثله تمامًا! وربما أكثر!
ماذا سيفعل حين تصل؟ هل سيأخذها في حضنه؟ يخبّئها في صدره؟ يدفئها بحبّه؟
هل سيقبّلها؟
وأنا، ماذا سأفعل وأنا أرى ذلك؟ وماذا سأفعل بعد أن أكتشف الخيانة؟ هل سأهجره وأطلب الطلاق؟ وماذا عن الأولاد؟ مع من سيكونون؟ وأنا، أين سأسكن؟ هل أعود إلى أهلي بعد أن عصيتُهم وتركتُهم من أجل هذا الزواج؟ كيف سأعيش؟ هل أعود إلى العمل مرة أخرى؟ هل سأحبّ مرة أخرى؟ وأتزوّج مرة أخرى؟ وماذا مع الأولاد؟ أين سيكون موقعهم بيننا؟
فجأة… شعرتُ بحماقتي.
قمتُ من مكاني وتركتُ المكان.
هرعتُ إلى أقرب محل واشتريتُ صبغة للشعر الأشقر وحمرة فاقعة… وعدتُ إلى البيت.
(كفر كما/ الجليل الأسفل)