ثمانيةٌ وخمسون قمرًا، أطلّت من نوافذ ذاكرتنا وقلوبنا قبل أن تطّلَ من نوافذ بيوتنا. تمثّل شخصيّاتٍ أدبيّةً، شخصيّاتٍ تربويةً، وشخصياتٍ ثقافيّةً اجتماعيّةً وسياسيّةً.
منها من غادر عالمنا الدنيويّ( خمسةٌ وثلاثون قمرًا)، إلّا أنّ نورَها لا زال يضيئ عتماتِ قلوبِنا، ويؤثّرُ على رؤانا الفكريّة، الفلسفيّة، الأدبيّة والتربويّة، فنجدها تتوسّدُ قلوبنا، وتحيي فيها الذكرى بكلّ ما اوتيت من قوّةٍ ورقّةٍ وجمال.
وأقمارٌ أخرى(ثلاثةٌ وعشرون) لا زالت بيننا تنير سماءَنا، تحيي قلوبنا بالأملِ، تمنحها، الحُبَّ، وتغذّيها بالرجّاء.
ما أجملَ فكرتك هذه استاذ فتحي، حين حفظتَ عهدَ هذه الأقمار، وخلّدتها في ذاكرتنا وعلى رفوف مكاتبنا، وفي قلوبنا، لتبقى خالدةً في نفوس الأجيال من بعدنا، فيعرفون أنّ ضوءَ الأقمار لا يخبو، فهو نورٌ أزليٌّ كلّما مرّت به السنونُ زادته لمعانًا وأصالةً وجودةً كما النبيذُ المعتّقُ.
حين قرأتُ كتابكَ، أخذتني ذكرياتي إلى الكثير ممن عرفتُ من هذه الأقمار، وتركتْ في نفسي أثرًا كبيرًا: استاذيّ في الجامعة، الديمة السكوبة حنّا أبو حنا، أستاذي محمد حبيب الله الذي يمضي على خطى خليل السكاكيني، أستاذي في الشعر الكاتب الدكتور بطرس دلّة، فله الحياة شيخ الشباب، الشاعر المرحوم شكيب جهشان، الشاعر جمال قعوار، الشاعر راشد حسين، رجل السياسة المحنّك توفيق طوبي، الشاعرة والكاتبة د. راوية بربارة، الشاعرة هيام قبلان، الكاتبة رنا أبو حنا، الكاتب والاستاذ مفيد صيداوي، الشاعر منير توما، الناقد نبيه القاسم، الشاعر عصام عباسي، الكاتب زياد شليوط وغيرها من الأقمار المنيرة..
وأقمارٌ أخرى تناديني كي أدنو منها وأكتشفَ كنهها وأستمدَّ من ضيائها فأثري نفسي وروحي وأنهلُ من مناهلها.
هكذا أخذني كتابك يا أيّها الكاتب الأنيق، استاذ فتحي، بلغتك الشاعريّة الجذّابة، بسردك الشائق، الذي سبكته بفيضٍ من مشاعرَ جيّاشةٍ وأحداثٍ تاريخيّةٍ وسياسيّةٍ واجتماعيّةٍ وندواتٍ كنت تقف فيها خطيبًا لتشيرَ إلى هذه الأقمار بكلّ ثقةٍ وحبٍّ وايمانٍ بالرسالة التي تحملها.
دمتَ وفيًّا لأقمارنا، حارسًا لذاكرتنا، مدوّنًا لتاريخنا، حافظًا لكل ما جادت وتجود به أقلامُ وفكرُ كتّابنا وشعرائنا، وشخصياتنا التربوية والسياسيّة. ودمت الكاتب البارع الذي يصقل كلماته بفيض من وجدانه فتنسكب على صفحات الكتب والمنابر، تحفةً من الجمال والإبداع.
شكرًا لك استاذي فتحي على هذه التحفة الأدبيّة، وشكرًا من القلب على إهدائك الجميل.
روز اليوسف شعبان