تناقلت وسائل الكترونية وفيسبوكية عديدة، الأسبوع الماضي، عناوين صارخة وصاخبة، بهدف تحقيق “سكوب” صحفي غير نظيف، طالت مرة أخرى الفنان القدير والرمز دريد لحام، وذلك للنيل منه ومن تاريخه الوطني المشرف، ومن الواضح أنها ليست هذه الحملة الظالمة الأولى عليه. تناولت الحملة الأخيرة موقف الفنان دريد لحام من مسألة اتفاقيات السلام والتطبيع مع إسرائيل، من خلال لقاء مع محطة “سي.ان.ان” بالعربية، ومع أن موقفه كان واضحا ومعارضا للتطبيع دون شروط، إلا أن العناوين الإخبارية جاءت مقتطعة ومجزوءة لتثير الاهتمام لدى المتابعين الذين لا يتعبون أنفسهم بقراءة الخبر كاملا. ومن تلك العناوين على سبيل المثال: “دريد لحام: أؤيد التطبيع مع إسرائيل”، أو “دريد لحام: التطبيع مع “إسرائيل” قادم وأنا لا أعارضه”، وعنوان مثير آخر ” الفنان السوري دريد لحام: التطبيع مع إسرائيل “آت لا محالة”، كل ذلك وفق مقولة “ولا تقربوا الصلاة..”، ودون أن تكمل ما قاله لحام “لكن بشروط”.
ورغم يقيني وقناعتي بما ذكرته من أهداف مريبة لتلك العناوين المثيرة وأصحابها، إلا أني عدت للمقابلة الكاملة التي تمت مع الفنان دريد لحام، حيث جاء تصريحه في سياق الرد عن سؤال حول اتفاقيات السلام والتطبيع بين دول الخليج وإسرائيل في بدايتها، وكان جواب الفنان العربي حرفيا: “اتفاقيات السلام أو ما يسمى التطبيع قادم، أنا لست ضده، لكن بشرط أن تتم حسب مبادرة القمة العربية في بيروت 2002 وشروطها، اقامة دول فلسطينية عاصمتها القدس وتضمن لها الحياة، ويمارس الفلسطينيون حقهم بالعودة، وأن تعيد إسرائيل الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها ودولها”. وأردف بأن “هذه خطوات مبكرة، التطبيع كان يجب أن يكون وفق المبادرة العربية”.
من منا لا يعرف بأن التطبيع قادم على ضوء هرولة عدد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، وهل في قول هذا تأييد للتطبيع معها؟ ان الموافقة على تطبيع العلاقات بعد الشروط التي رسمها دريد لحام، سبق وأن صرح بها قادة سوريا وفلسطين. بين هذا وبين ما تناقلته المواقع الألكترونية فرق شاسع، لكن المواقع المعادية لسوريا والمعروفة بتأييدها لثورة التدمير والقتل فيها، لا يستغرب عنها حملة التضليل والتشويه التي قامت بها عن وعي وقصد، لكن حملتها بائسة ومردودة عليها، وهي التي صمتت وتصمت عن زيارات أقطاب من “المعارضة” السورية لإسرائيل، وعن التنسيق الذي تم قبل سنوات بين “جبهة النصرة” وإسرائيل على الشريط الحدودي في الجولان، والذي تم فيه نقل مصابي الجبهة للمستشفيات الإسرائيلية للعلاج، وتقديم المساعدات العسكرية والطبية والغذائية من إسرائيل لتلك الجبهة التكفيرية!
** شاهدوا المقابلة كاملة لتتأكدوا أن دريد لحام ما زال على مواقفه **
لم يكن بالإمكان ألا تتابع المقابلة الرائعة مع دريد لحام والاستماع لتعليقاته الساخرة تارة والجدية طورا والملتزمة دائما بقضايا الوطن والأمة، حيث اعتبر أن ما يجري منذ سنوات “لعبة دولية كبيرة لتفتيت العالم العربي”. وعاد إلى تقديم توصيف صحيح لحركة التمرد في سوريا، والتي اعتبرها “حركات تدمير ممولة من الغرب والخارج”. ورأى أن الحل للأزمة السورية يكمن في “أن نسمع بعض وأن نضع أيدينا بأيدي بعض”. لذا ليس غريبا أن تقوم القوى والمنابر المعادية لسوريا، بتشويه تصريحات الفنان الكبير دريد لحام حول التطبيع، وتتجاهل تصريحاته الكاشفة لحقيقة ما أسموه “ثورة” داخل سوريا.
وردا على المتصيدين في المياه العكرة، قال الفنان الكبير بصراحة ووضوح: ” مسرحي ليس سياسي، انما فعل وطني. عندما تطلب بالحرية والديمقراطية فهذه مطالب مواطنة وليست سياسية، لذا مسرحي وطني وليس سياسي”. ونفى أن يكون قد تعرض للتهديد جراء ذلك، مؤكدا أنه “في بلدي توجد حرية تعبير وتظهر في الأعمال الفنية الناقدة”.
ولم يوفر دريد لحام الجامعة العربية من النقد حيث قال عنها: ” الجامعة العربية على الرف عاجزة عن أي فعل.. ما أهمية وجودها اذا لا تستطيع القيام بدورها”. واعترض على إطلاق تسمية “المهاجرين” على من ترك وطنه “ليسوا مهاجرين بل مهجّرين، هاجروا عنوة، لا أحد يترك بلده وهو سعيد.. فهم يتمنون العودة لبلدهم على أن تستوعبهم، ويوصون أن يدفنوا في بلدهم، فالوطن مقبرة الناجحين في الخارج”.
وفي ختام هذه العجالة أعيد وأذكّر أن الأشجار المثمرة هي التي تقذف بالحجارة، وأقول للفنان الرمز دريد لحام إنك أعلى وأقوى من كل حملات التشويه المغرضة.
(شفاعمرو- الجليل)