بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي في الفيسبوك انطباعاتي الأوليّة؛ تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت لقائي بهم، بأفكارهم وبكتاباتهم متنفّسًا عبر القضبان.
عقّبت الكاتبة العكيّة المغتربة حنان بكير: “يفتح الصديق المحامي حسن عبادي أفقا واسعا أمام أدب الأسرى. فمن ناحية عرّفنا بإبداعات الأسرى، ومن ناحية ثانية استفزّ المواهب المغلقة على القهر أن تبرز وتنفرج ما دام هناك من يستمع إليها.”
مناصب الصيد:
سافرت صباح الثلاثاء 02.02.2021 رُغم العاصفة الكورونيّة من حيفا جنوبًا طريق الساحل، حين وصلت شاطئ قرية الحوارث المهجّرة توجّهت شرقًا عبر بيّارات تعبت من انتظار أصحابها منذ النكبة، وصلت سجن “هداريم” والتقيت بالأسير منذر خلف أحمد مفلح [1]، كان اللقاء حميميًّا، باغتني سائلًا: “ليش ولا جبِت ليم معك؟”، حدّثني عن فترة الاعتقال الأخيرة في معتقل الشاباك في ملبّس المهجّرة التي صار اسمها بيتاح تكفاه (رُغم وجوده خلف القضبان منذ اعتقاله يوم 04.09.2003!!) والتنكيل الذي مرّ به، إذ ظلّ مشبوحًا ليل نهار لأسبوع كامل؛ جالس على كرسيّ بلاستيكي ويداه مكبّلتان للخلف كلّ الوقت، مع ثلاث استراحات يُنقل في كلّ مرّة منها إلى زنزانة العزل لتناول وجبة الأكل لثلث ساعة، السادسة صباحًا والثانية عشر ظهرًا والسادسة مساءً.
حدّثته بدوري عن رحلة “الخرزة” منذ خروجها من المطبعة وردود الفعل التي لاقتها في الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ونفاد الطبعة الأولى والترتيبات لحفل الإشهار والإطلاق المُرتقب، مشاركته وخرزته في برنامج “أسرى يكتبون” بالتعاون مع رابطة الكتّاب الأردنيّين وأعرب عن فرحته للاحتفاء بمولوده.
حدّثني عن رِفقته في سجنه الجديد/ القديم ورحلة العذاب التي مرّ بها خلال الشهرين الفائتين، والابتسامة ملازمة له، وكم كان صعبًا أن أخبره بوفاة زوجة عمّه “أم محمود”، وأوصلته سلامات رامي ومحمد وفراس وغيرهم، والمهام الملقاة على كتفي سلافة وما تقوم به من عمل سيزيفي دؤوب حاملة شعلة الحريّة.
ما زال ينتظر أوراقه وحاجيّاته التي حُرم منها ساعة الاعتقال وهي في طريقها من سجن ريمون الصحراوي إليه.
تناولنا “مناصب الصيد”؛ مخطوطة عمله الأدبيّ القادم التي تدور أحداثها في قرية الجورة المهجّرة، من قرى عسقلان على الساحل الفلسطينيّ التي اشتهرت بالصيد البحريّ والبرّي وآليّاته وطقوسه وما آل إليه وضعها ووضعنا.
لك عزيزي الشيبون أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
“أُفق وحاضنة”:
بعد انتهائي من لقاء الشيبون أطلّ الأسير أحمد تيسير خليل العارضة [2] بابتسامة عريضة عبر الكمّامة الكورونيّة، ولا شعوريًّا أزحنا، كلّ كمّامته، لنتعارف جيّدًا في لقائنا للمرّة الأولى.
رتّبتُ اللقاء بعد توصية كميل وآخرين، فاجأني قائلًا: تعرّفت عليك عن كثب، فمنذر طبخ لي راسي فيك وعنّك منذ قدم إلينا قبل يومين وصار شريكي في زنزانتي، كان الحديث سلسًا ورتيبًا رغم أنف الكورونا والسجّان.
تحدّثنا عن الكتابة خلف القضبان وخصوصيّة الأدب، أهميّة الكتابة للأسير كمتنفّس، وحسرته من فقدان الأفق والحاضنة لما يكتبه الأسير، تجاهل المؤسّسات ودور النشر لكتابات الأسير في البدايات، فمَن لا بكّاءات له طريقه مسدود، رغم أنّه يعي تمامًا بأنّ القارئ والمتلقّي هو الحكم والفيصل وله الحقّ بالحُكم على تلك الكتابة، فلماذا توصد الأبواب أمامه؟ ممّا يحبطه ويثقل عليه.
حدّثته بدوري عن الحراك في الآونة الأخيرة فيما يتعلّق بأدب الأسرى، مبادرة “لكلّ أسير كتاب” التي وصلت من خلالها عشرات الإصدارات لمكتبة سجن هداريم، مبادرة “من كلّ أسير كتاب” وما انبثق عنها من مبادرة “أسرى يكتبون” التي تبنّتها رابطة الكُتّاب الأردنيّين، برنامج وتر النصر الذي تقدّمه الإعلاميّة قمر عبد الرحمن وغيرها.
تحدّثنا مطوّلًا عن كتاباته ومشروعه الأدبيّ المستقبليّ، أخبرته بتعهّد الكاتب فراس حج محمد وغيره بتنقيح وتحرير كتابات الأسرى، تطوّع الفنّان ظافر شوربجي وغيره برسم لوحات للأغلفة ونيّة الناشرين بالمساعدة لإخراج حلم الأسير إلى النور.
لك عزيزي أحمد أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة، على أمل أن نلتقي قريبًا في حيفانا لنحتفل بإشهار إصدارك الأوّل!
شباط 2021
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
[1] الأسير منذر مفلح من قرية بيت دجن، اعتقل عام 2003، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن 30 سنة. [2] الأسير أحمد العارضة من نابلس، أُعتقل عام 2004، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بالسجن المؤبد.