أصدر الشاعر الصديق صالح سواعد، مؤخرا ديوان شعر بعنوان “أنّات ونفحات”، وقام مشكوراً بإهدائي نسخة منه. يهدي الشاعر صالح سواعد ديوانه “إلى لغتي التي حرفها عشقت، إليك يا وطني الذي أحببت”.
عندما أخذت أتصفح صفحات الديوان، شعرت بارتياح عندما لاحظت أن الأديب الناقد محمد علي سعيد وضع مقدمة للديوان، لأن الأستاذ سعيد لا يكتب مقدمة لكتاب لا يستحق لفتة منه، وهو صاحب الباع الطويل في متابعة الأدب المحلي. وبما أني لم أطلع على الديوان الأول للشاعر صالح، لذا أعتمد هنا على ما جاء في مقدمة الكاتب محمد علي سعيد حول التطور لدى شاعرنا: ” لو أخذنا مضمونا ما وقارناه بين الديوانين لوجدناه في الثاني أكثر نضجا وعمقا في المضمون وأكثر جمالا في التعبير..” (ص 7).
فعلا بعد قراءة في قصائد الديوان المنوعة في مواضيعها وأسلوبها ولهجتها، لمست أن الشاعر صالح يملك نفَسًا شعريًّا، خاصة أنه لا يدعي بأنه شاعر إنما يسكب مشاعره من خلال ما يخطّه شعريا، كما قال لي في منتهى التواضع وهو يهديني ديوانه.
واذا ما توقفنا في البداية عند عنوان الديوان، ندرك أن الشاعر ينفث آلامه من خلال الأنات الشعرية، والتي تعكس أنات أبناء شعبه ومجتمعه، ومن ناحية أخرى ينشر الرائحة الطيبة من خلال النفحات الشعرية التي يقدمها لنا في ديوانه.
مثال واضح على الأنات، يظهر في قصيدة “أدري ما أكتب”، وفيها يبكي الشاعر ماضيا مشرفا أمسى حاضرا مأساويا، الذي يسود مجتمعنا العربي في السنوات الأخيرة، حيث يقول:
“كحوام البحر إذ يغدر
أخ لأخيه كم يحفر
أضحى لكلّ واحد مخلب
فالأنا عشعشت فينا
زادت بها مآسينا
وسيطر المنطق الأعوج” (ص 18-19)
وهو هنا يؤكد بأن المشاكل جميعها تبدأ من ضمير “الأنا”، وهو ما أكده سابقا عدد من الكتاب والشعراء العرب.
أما النفحات فتبدو واضحة في قصائد الحب والغزل والتغني بالوطن، وهذا ما نلحظه في قصيدة “تسألني ما اسمها” (ص 80- 83)، فيها يخاطب الشاعر من تسأله عن اسمها (والمقصود الحبيبة)، لكن الشاعر يتهرب من الإجابة بذكاء ويراوغ في تقديم رموز وإشارات تدل على محبوبته عندما يقول: “اسمها متجذر في الزيتون”، “اسمها رائحة برتقالٍ وقمحٍ”، “اسمها لفّ الكون مترنّما”، “اسمها فوق كلّ شبرٍ من بلادي” وغيرها من الرموز، وبعد كل تلك المراوغة يظنّ القارىء أن الشاعر سيعلن عن اسمها، لكنه يفاجئنا:
“أنا لن أبوح لكِ ما اسمها
هي حبّي.. هي عشقي..
فاحزري يا أخيّتي.. إن كنت
شاطرة..”
وقد أحسن الشاعر في الامتناع عن ذكر اسم محبوبته وإن فعل لكان أفرغ القصيدة من معناها، فأي “شاطرة” أو “شاطرة” لا بد وأن يدرك/ تدرك اسم محبوبة الشاعر.
وفي قصيدة أخرى يبث الشاعر نفحة للأرض التي يعتبرها بمثابة الأم فيخاطبها:
“ابن الأرض أنا
الأرض أمي” (ص 45)
كذلك استوقفتني قصيدة “الحبّ يأتي” (ص 48-52) والتي تختلف عن غيرها من القصائد، وعما خطه شعراء آخرون في الحب، فقصيدة شاعرنا صالح جاءت في تسعة مقاطع، يطرق فيها أبواب الحب بالسؤال والتساؤل في كل مقطع كيف يأتي الحب، بأسلوب انسان اكتسب تجربة وحكمة في الحياة، لكنه ما يزال محتارا أمام هذا الموضوع الأزلي الذي أشغل المبدعين على أنواعهم: شعراء، فنانون، فلاسفة وغيرهم. لكن المقطع التاسع والأخير أخاله يختصر المسافات والأسئلة، ويصل الى لب الحبّ الإنساني المطلوب لإيجاد عالم مختلف، ومن خلال أسئلة سلبية يقدم لنا الشاعر الإجابات مضمنة في السؤال:
“كيف يأتي الحبّ بين البشر
كيف يأتي الحبّ مَن لأخيه حفر
كيف يأتي الحبّ مَن خان وغدر
وبعدُ آهٍ ما تعلّمنا الدّرس؟!” (ص 52)
وعلى صعيد الشعر العامي، يغرف شاعرنا من تراثنا الشعبي الغنائي وهذا يظهر في عناوين تلك القصائد المحكية، وفي كلماتها التي تجري مجرى الأغاني الشعبية المعروفة، والتي جاءت تباعا في الديوان، وهي “عتابا أوف، جفرا، على دلعونا”.
بعد هذه الاطلالة السريعة على ديوان “أنّات ونفحات”، أتمنى للصديق الشاعر صالح سواعد، المزيد من الإنتاج الشعري الراقي، وأبارك له بهذا الإصدار آملا له التوفيق والتطور على طريق الإبداع الشعري.
(شفاعمرو- الجليل)