الأستاذ فاروق مواسي ناقد، شاعر وقاص، بهذا الترتيب أرى حضوره الأدبي من حيث الجودة والغزارة، ولكني في هذه القراءة سأتطّرق إلى حضوره القصصي، فلقد صدرت مجموعته القصصية الأولى “أمام المرآة” عن منشورات البيادر – القدس 1985 (16 قصة في 100 صفحة) ، ولقد رتبها القاص ترتيبًا زمنيًا من القديم إلى الحديث وأشار إلى ذلك في نهاية قصصه الأربع الأولى، حيث وضع تاريخ النشر واسم المنبر (مجلة “الشرق” 1972 – 1973 – 1973 – 1976) ، ولا أعرف لماذا أغفل القاص هذه الإشارات المهمة في باقي قصصه؟! فلقد نشر – مثلاُ – قصته “عندما غازلت ابنتي” سنة 1978 في مجلة “مشاوير” المحتجبة – التي صدرت عن رابطة الكتاب العرب في إسرائيل. وكذلك الأمر بالنسبة لباقي قصصه. إن المسافة الزمنية بين نشره للقصة الأولى وصدور مجموعته طويل نسبيًا (1972-1985).
“أمام المرآة”: مجموعة قصصية تجريبية في بعضها من حيث البناء، ففيها مونولوجات كثيرة وأصوات داخلية وتعليقات واقتباسات وإيحاءات وتكثيف وغير ذلك، مما يضطر القارئ إلى الوقوف والتمعن والإعادة والتمهل في القراءة والحكم.
أما بالنسبة للمضامين فهي تبدو للوهلة الأولى سهلة الفهم من حيث واقعية الأحداث، فهي تتناول المجتمع من حيث المادة الخام للقصص، ولكنها تعطي بعدًا جديدًا مع كل قراءة متأنية وهادفة، ومن هنا فهي لا تسلّم نفسها من القراءة الأولى، بل تتجدد مع كل قراءة، وتكشف ما تخفيه من أبعاد سياسية أو فلسفية أو إنسانية، كل ذلك في تعبير جمالي معافى فنيًا ومتفاعلاً مع حركة الحياة غير منعزل عنها، وتساعد القارئ على خلق معادلة أخرى للحياة – فيها خطوات للأفضل والأجود والأجمل. ومن هنا تتبع فكرة إصلاح العالم التي يتبناها الفيلسوف والأديب والنبي، كل من موقعه ومنطلقه وأسلوبه.
والأدب رسالة وقضية، يعمل من خلال كفاحه الإنساني الدائم والشامل من أجل الحرية والحق والجمال، بغض النظر عن أشكاله وقوالبه الفنية واختلاف مذاهبه الأدبية التي تعكس تناقض واختلاف الطبيعة البشرية، من قلق واستقرار وطموح وفشل للنفس الإنسانية، وهذا يفسر تنوع شخصيات قصص مجموعة “أمام المرآة” من شخصية مقهورة، فاشلة سلبية، إيجابية أو غير منتمية، وجميع هذه الشخصيات تنمو من خلال صراعها الداخلي والخارجي في حركة جدلية تصاعدية نحو الذروة ، ومن ثم في هبوط نحو الحل والنهاية.
* في قصة “أمام المرآة” التي تحملها المجموعة عنوانًا نجد فيها البعد السياسي، وقد عالج القاص قضية استشهاد الأديب الفلسطيني المعروف غسان كنفاني، ولقد أعطى القاص الكثير من التلميحات، فالقصة أولاً مهداة إلى غسان، وكنية بطل القصة هي “أبو فايز” ويعمل معلمًا، ويهتم بالسياسة… ويتوقع الموت غدرًا في كل يوم، وكذلك شخصية أم مسعود في القصة، (يقتل والجماعة تمارس الرذيلة… ولا يكلف الواحد منهم نفسه أن ينظر إلى مرآة نفسه – ص 7) يصف القاص قتلة غسان كنفاني بالنساء سخرية منهم وإذلالاً لهم.
قبل أن أترك القصة يجب أن أشير إلى التناقض الذي وقع فيه القاص: لقد بدأت القصة بفتاة مستلقية.. “ثم أرخت أجفانها مستسلمة لهدأة طويلة”… “ثم نامت” (ص 5) ثم “اضطجعت النائمة على جانب جديد”، ثم يأتي التناقض “أخرجت المرآة أوراقها وجعلت تقرأ” _ (ص 8).. فهل بإمكان النائم أن يتناول الأوراق ويقرأها؟!
كذلك لم تكن، هناك، حاجة أبدًا للصورة الجنسية التي ذكرها في (ص 7) ، وحبذًا لو أبقى كلمة “ولكن” لتعطي نهاية مفتوحة للقصة، كما كان الأمر عندما نشر القصة نفسها في مجلة “الشرق”.
* في قصة “أين ولدي” بعد القراءة الأولى تستطيع أن تسرد قصة جيدة الحبكة في بدايتها وتشابكها ونهايتها والكثير من القيم السلوكية والاجتماعية والأخلاقية – التي يمكن مناقشتها والوقوف على السلبيات والإيجابيات فيها. ولكنك بعد القراءة الثانية والثالثة تستطيع أن تقف على البعد السياسي الذي عشناه ونعيشه. فالقاص يكثّف الكثير من الأحداث ويختصر الزمن، فهو يرمز إلى قصة قيام الدولة (إسرائيل)، وإلى قرار التقسيم، وإلى الرجعية العربية… وإلى الحروب التي حدثت، فقد جاء في القصة “لا بد أن هناك ممرًا” (ص 93) و “ممرًا” هنا تعني طريقًا تؤدي إلى حل.. إلى هدف، وحبذًا لو انتهت القصة عند هذه النقطة. ولم يعط القاص بطله موقفًا سلبيًا. لقد نجح القاص في معالجته لقضية سياسية بالرمز، ومن خلال مواقف حياتية اجتماعية
ولم ينزلق إلى جمل الشعارات وفقرات الخطب السياسية وأسلوب المقالة المباشر للقصة.
* في قصة “وخرجت زرقاء اليمامة” تعترف زرقاء اليمامة بأن قصة الشجر وتحرّكه غير صحيحة، وإنما جاءت في التاريخ للمبالغة والتجسيم، وفي هذا إشارة إلى تناول لتاريخنا السياسي والأدبي بكثير من العاطفة وعدم الموضوعية والدقة، وعليه تجب المراجعة والغربلة. وتنتهي القصة بأن تتجه زرقاء اليمامة إلى البحر، تصارع الأمواج…وتتقن السباحة، وتسقط الأمطار في الصحراء دلالة التفاؤل. وقد يحتمل الأمر تفسيرًا سياسيًا أيضًا.
* في قصة “ليلة مخيفة” يخرج الميت من قبره ويعود مع بطل القصة ليتجوّلا في شوارع القرية والناس في غطيطهم “أليسوا أمواتًا”؟ (ص 28). وعندما يقدم بطل القصة ضيفه الخارج من القبر لصديقه لا يصدقه أحد ، ويُعتبر الأمر نكتة ظريفة، فيذهبون للقبر للتأكد من صحة الأمر، ينزل الصديق (الإنسان الخارج من القبر) مع بطل القصة للقرية. “ولم يفقد الناس صديقي…. ولم يسألوني من هذا الضيف الغريب؟” (ص29) ثم “ذهب الضيف إلى بيت صديقي يهنئهم ، وكان بعض أهل الدار يبكي وبعضهم يضحك” (ص 29). وتنتهي القصة.
لا نقاش في أن أحداث القصة غير واقعية وفيها إغراب واضح، ومن المؤكد أن القاص يهدف إلى ما وراء ظاهر الأحداث الحرفي. إن القصة تحمل بعدًا فلسفيًا، بعدًا يعالج لغز الموت، هذا المصير المحتوم لكل كائن حي، إنه النهاية المادية للوجود، ويساوي القاص بين الموت والحياة.
وجاء في القصة أن الصديق الحي لم يقاوم حين نزل القبر ليقايسه. إنها إشارة إلى تفاهة حياته وتفريغها أو إفراغها من القيمة. وبالمقابل نجد الضيف أو الميت الخارج من القبر يذهب ليتجوّل ويهنئ أهل الميت الجديد (الحي الذي نزل إلى القبر). إنها قصة فلسفية عميقة الأبعاد يطاردك مضمونها دائمًا.. ولا يمكنك أن تنساها. ولقد توافق الشكل مع المضمون في دقة متناهية من حيث التناقضات المتساوية القيمة بين الحياة والموت، وكذلك اللغة التي خدمت بنجاح جو القصة.. ولكن العنوان لم يكن في مستوى القصة وأبعادها، فقد جاء مباشرًا وهذا ما لم يقصده القاص.
* في قصة “صرخة” بالإضافة إلى بعدها الاجتماعي المباشر حول كيفية حمل الزوجة فإن القاص يعطيها بعدًا فلسفيًا مع نهاية القصة، حيث يؤكد على صراخ الطفل وتكراره للفعل “يصرخ” يعطي الإيحاء والتلميح للبعد الفلسفي. فالأم ماتت بعد ولادة ابنها مباشرة، إنه الموت الذي يعطي الحياة، والطفل يستقبل الحياة بصراخ متواصل، هل هو الاحتجاج على المجيء؟! ولكنه يأتي رغم كل العقبات التي اعترضت طريقه، الطفل هو المستقبل الآتي رغم كل العقبات الصعوبات… إنها دعوة لعدم اليأس مع فشل المحاولة الأولى، ولذلك ثمة علاقة مع قصة “ليلة مخيفة”.
* في قصة “عبد الحي” – شأن أكثر قصص المجموعة – لا تسلّم نفسها من القراءة الأولى. يعطي القاص تعريفًا للحياة وتفسيرًا لها “فالحياة أخذ وعطاء، ولوج وخروج، قوة وضعف” (ص 97) والحياة “جدة وطرافة، بحث عن المجهول ولذة في اكتشافه، كل يوم أجمل من سابقه، وكل تجربة أروع من التي قبلها، هكذا هي الحياة” (ص 100) …
أليس في هذا إشارة إلى الأمل الضائع المتردد الذي تعالجه القصة، في جو صوفي مشبع بالمفردات والدلالات الصوفية (الكافي لي ولكم – استغرق في الوجد – تهيّج عنيف الأولياء والتابعون – بحث عن المجهول ولذة في اكتشافه) وغير ذلك، بالإضافة إلى العنوان المطابق لاسم بطل لقصة ” عبد الحي ” الذي يخدم جو القصة لدلالاته وإيحاءاته، ناهيك عن الإيقاع اللغوي السريع كتوالي الأفعال. لقد نجح القاص فاروق مواسي في التوفيق بين المبنى والمعنى.
يشبه القاص مهارة البطل حين يلعب بالسيف “مثل قفقاسي رشيق” (ص 98) ، والمعروف أن العرب هم أشهر الفرسان فما حاجتنا للقفقاسي؟ كذلك حبذَا لو حذف كلمة “كأن” في الجملة “كأنه صوفي استغرق في الوجد” (ص 100).
* في قصة “يا ناس” تعالج ظاهرة اجتماعية مقلقة جدًا في قرانا، فشخصية حسن زكي ترمز إلى الزعامة التقليدية التي تتوكأ في علاقاتها مع السلطة…. إنها شخصية مزدوجة ظاهرها الخير وباطنها الشر، وفي المقابل نجد راشد القرعة، وللاسم دلالة ناجحة جدًا. راشد شاب مثقف، متعنت ومتزمت، لا يتنازل في نقاش حتى لو كان على خطأ. تمثّل الشخصيتان نوعين من الناس من حيث العدد لا الفكر، والبطل يقف حائرًا بينهما وغير منتم، ولا يجد صدى لصوته رغم ما له من الشخصية والحجة، ويصمت ولا ينطق عندما زارهم حسن زكي، لماذا هذا الصمت والسكوت ؟ وهل بالصمت يمكن محاربة سلبيات المجتمع؟! إنها نهاية متشائمة، ولكني أعتقد أن القاص رمز إلى بعد سلوكي – ألا وهو ظاهرة الصمت والسكوت والاستسلام تجاه الخطأ والسلبية في الكثير من المواقع والمواقف. إنه موقف اللاموقف، موقف المتفرج المحايد بين الطرفين، وغير الفعال، ومن هنا يفقد إمكانية التغيير ويساعد على بقاء الوضع على ما هو عليه.
* في قصة “ما زلت أقرر” يعالج القاص فيها ظاهرة الوساطات والمحسوبيات، والبرطيل المناسب، إنها سياسة “اطعم الفم بتستحي العين” ويتعرض القاص لينتقد العلاقات العربية اليهودية من خلال شخصيتين سلبيتين، ويطالب البطل بسقوط نظام الرشاوى وكرت غوار والمحسوبيات، ولكن متى؟ ومن سيقوم بالمهمة؟ ولقد أعطى القاص الإشارة تلميحًا حين قال: “ووقع نظري في غمرة حماسي على طفل تظهر عليه الدهشة وقد رفع حاجبيه وزّم شفتيه” (ص 41 ) إنه جيل المستقبل، الجيل الذي سيقوم بالتغيير، سيعمل ويتحرّك، ولن يمارس التغيير بالكلام والشعارات بل بالعمل والسلوك.
* في قصة “في حضن الطبيعة” يقارن القاص فيها بين نوعين من العشاق، الأول يمارسه بخوف وحذر وسرية ، والثاني يمارسه بحرية صريحة وأمام الجميع. إنهما الفتى والفتاة وبالمقابل العصفور والعصفورة، وتنتهي القصة بأن يقف العصفور على رأس البطل، وهذا رمز الحرية، وأن تلسع النحلة البطل، وهذا رمز للتنبيه وقرع الأجراس للنهوض والعمل من أجل التغيير نحو الجمل والأفضل. والموازنة كانت ناجحة جدًا بين الإنسان والطير.
* في قصة “فـقـر للبيع” نعيش مع شخصية سلبية غير منتمية وغير فاعلة، شخصية فاشلة، تعكس نماذج عديدة من الناس وليست فكرية، مثل الشخصيات في قصتي “يا ناس” و “ما زلت أقرر”.
* في قصة “معادلة” – و كنت أحبذ تقسيمها إلى لوحات بعدد الفواطم، هنا يتمنى الشاب شابة ويرغب فيها ، ولكنه يتزوج من غيرها، وهذه الفكرة ليست ملتصقة بالضرورة بقضية الزواج، بل بكل معادل موضوعي حياتي آخر. ولا أعرف لماذا ينتبه القاص إلى التناقض الذي وقع فيه، فالبطل لم يكمل تحصيله لقصوره ورسوبه…. وإذا به يعمل معلمًا خاصًا ويعلم الرياضيات والتفاضل والتكامل لفاطمة الثالثة… فكيف نفسر هذا؟! وما الداعي للتحديد في موضوع الرياضيات؟
* في قصة “لماذا شطبوا اسمي؟” – يعاني البطل إحساسًا بالإهمال والتجاهل من قبل أصدقائه في مشروع ما، رغم كونه أحد المبادرين للمشروع، ويفقد السؤال حدته وعنفه عندما يبرر الأمر تبريرًا نرجسيًا (ص 17) : “لأنك تركت أصدقائك ولم تسألهم شيئًا وجلست في برج المراقبة تنظر من بعيد مكتفيًا بممارسة مهنة الأدب، بالحرف اكتفيت، باللفظ والصوت”، ويبقى السؤال يدق الباب بهدوء.
رغم وجود هذه الظاهرة السلبية في المجتمع، ظاهرة التعتيم على المبادرين وهضم حقوق من يستحق، إلا أني أرى القصة تنتمي إلى الناحية النفسية ، لأنها تركّزت على الصراع الداخلي للبطل، وتنحصر أهمية الصراع الخارجي بين البطل والنماذج البشرية كعامل مساعد، ونستطيع أن نعطي صفة الفشل للبطل ، لأنه أسهم بنفسه كما رأينا بشطب اسمه وفشله، شطب اسمه بقول سارتر “الآخر هو الجحيم” أو بقول هوبز “إن الإنسان للإنسان ذئب” (ص 73) ولم يكتف بذلك ، بل أراد أن يعطي لنفسه قيمة رغم تجاهل الآخرين له، فالتجأ إلى الاستعلاء ، وكأنه هو الطرف المتجاهِل، وهذا على عكس الحقيقة. وهذا السلوك مردّه حب الذات ، إنها النرجسية الحديثة، وقد اعتمد عليها أيضًا بطل قصة “يا ناس” حيث جاء “ولعل ما يضايقني أني لا أجد صدى لصوتي رغم أن لي من الشخصية والحجة ما يشفع لي أن أستجلب بعض الأنصار” ( ص 23).
* في قصة “الحكاية”، لا نعرف أحداث الحكاية التي يسردها البطل لأكثر من مجموعة ، ولكننا نعرف ردود فعل كل مجموعة، ونعرف أن الأنثى وقراءة تفاصيل جسمها أهم من الحكاية، وما عسى أن تكون الحكاية غير حكاية الشعب الفلسطيني وتشابه ردود الدول العربية ودول العالم مع ردود المجموعات في القصة. لم تكن هناك حاجة لذكر نوع السجائر… وكذلك نوع زجاجة الويسكي ، كما أن القاص لم يذكر ما أصاب الثاني (ص 59).
* في قصة “أنا بخير” تنهار انطباعات المريض الإيجابية عن السكرتيرة، والإشارة واضحة إلى تسرع البعض في الحكم على الآخرين لانطباع مشاهَد، استخلاص نتائج نتيجة للنظرة الأولى، والمفروض أن يكون الحكم بالتجربة ونتيجة للاحتكاك وليس بالمشاهدة والمراقبة، وعلى الجوهر لا المظهر، ويعرف الإنسان على حقيقته في ساعة غضبه أو إثارته، وليس حسب منظره أو حديثه عن نفسه.
* في قصة “فشخ في الرأس” يعالج فيها ظاهرة التعليم الأعمى والحقد، لماذا لا نمد يدًا لليد الممدوة للمصافحة؟! لماذا يرفض سمير المصالحة رغم حصوله على مناه، إنه الحقد الأعمى؟ والبطل هو الضحية بسبب التعليم، والتعميم خطأ فظيع وظاهرة اجتماعية سلبية وخطيرة …وفي كل المجالات الحياتية، إن كلا من البطل وابن عمه يمثلان رمزًا فكريًا. وصمت المتفرجين يرمز إلى السلوك الاستسلامي بسبب محايدته وعدم انتمائه.
* في قصة “عندما غازلت ابنتي”، إن هذه القصة تحمل في أحداثها السهلة عمقًا ، وتحتمل أكثر من تفسير، لعل أهمها أنها ترمز إلى ضعف الإنسان وإرادته وقيمه وأخلاقه…. أما قوى أخرى مسيطرة عليه كالغريزة مثلاً أو المال عند الكثيرين. وترمز أيضًا إلى نفسية الإنسان المتضاربة وصراعها المستمر بين مختلف القوى والميول- كالرغبة والغريزة والأخلاق والقيم العامة والأعراف الاجتماعية والمثل الأخلاقية. وفي القصة نقد للمجتمع بالنسبة لتعامله مع الأنثى..
هذه القوى المسيطرة التي تدفع الإنسان ليحقق رغباته الأنانية ومصلحته الخاصة دون أي اعتبار للآخرين ودون تمييز بين الخير والشر، الحرام والحلال، الممنوع والمسموح، ضاربًا عرض الحائط كل القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية والتربوية. هذا بالإضافة إلى تحليل نفسية البطل بين أفكاره المتضاربة، كما رأينا في صراعه الداخلي بين رغبته الغريزية وبين ضميره، وبين المؤثر الخارجي، أي الفتاة، وهي العامل الغريزي المساعد، وبين صوته الداخلي أو الضمير ومجموعة قيمه وأخلاقه.
***** وأخيرًا وليس آخرًا، قد يجد القارئ أبعادًا أخرى غير التي وقفت عليها، أو يزداد تأكيدًا واقتناعًا أو رفضًا للأبعاد التي اكتشفتها حين سبرت غور كل قصة. وبالإضافة إلى هذه الأبعاد الأساسية والرئيسية للقصص، والتلميح أو بالتعليق، وذلك ضمن سياق المضمون العام للقصة وفي ثنايا نطور أحداثها، فجاءت في السياق ودون تكلّف. وجدير بالذكر أن بعض هذه الإشارات أو التعليقات قد خدم جو القصة النفسي ونسيجها اللغوي، وبعضها كان بالإمكان الاستغناء عنه، لعدم قيامه بوظيفته في خدمة المبنى أو المعنى.
على ضوء ما تقدّم أستطيع أن أقول إننا أمام مجموعة قصصية ناجحة، تمتاز بتعدد الأبعاد، وهذا ما حاولت الوقوف عليه، وأما ما يتعلق بالشكل الأدبي من أسلوب ولغة ووسائل فنية فإنه يحتاج إلى دراسة مستقلة.
وكل ما آمله أن أكون قد ساعدت القارئ على فهم التجربة الأدبية للقصص من حيث المضمون دون تدخل في المواضيع التي تناولها القاص ، لأن الاختيار للموضوع هو من حق الأديب فقط، بشرط أن يؤدي الموضوع وبمساعدة القالب الأدبي واللغة إلى حركة شعورية في القارئ تدفعه نحو الأفضل والأجمل في الحياة.