حمامٌ مطوّقٌ أبيضُ ,ينامُ واقفا
في أبراجٍ من صفائحَ على أخاديدِ القباب.
وإنْ شاء, تدلّلَ بنُعاسِ القرفصاء,
مترنّما على تراتيلِ القيامة,
خاشعا لابتهالاتِ الصلوات ,
المحمولةِ على أكُفّ السحاب.
يصحو الفجرُ كطفلٍ, متثاقلًا محمولًا بالحَباب.
يغتسِلُ الحمامُ بضوء الله, يُصلِّي في الأقصى حاضرًا ,
يطيرُ , يتهادى على أسقُفِ الكنيسة,
يُخرفِشُ بجناحيْه على نوافذِ السقيفة,
يوقظُ النسّاكَ والعُبّاد.
خان الزيت
في الفجرِ ,تحتَ أجنحةِ الحمام ,
غلامٌ يهرولُ صوبَ فُرْنِ العمّ عفيف.
من شهوةٍ للرغيف يُدندِنُ بنغمٍ خفيف.
” ما أشهى الرغيف , ما أشهى الرغيف عند عمّي عفيف “.
في وِشاحِ الظلام ,تحتَ مظلّةِ سردابٍ مقوّسة ,
يتستّرُ حارسٌ مدجّجٌ لا يبصرُ ضوءَ الله كالكفيف.
يعلنُ للناس,
ممنوع التجوّل,
لا ذهابَ لكم, ولا إياب , لا لأنسٍ أوْ جنٍّ,
ولا يُسمحُ حتى للسراب, منْ يخالفْ عليه ينزلُ العِقاب.
وفي السردابِ تحتَ القباب,
رصاصُ الحارسِ يقوّضُ نجمًا ناعسًا إذْ يَشقُّ السحاب.
ولْوَلَتْ عجوزٌ ,انتحبتْ جارةٌ,
صرَخَ الغلامُ ,
خافَ الأنامُ ,
فرَّ اليمامُ,
صحا سليمانُ.
إليه تقدّمَ الحمام :
يا سيدي ,يا حكيمُ , يا سليمانُ
سقطَ الغلام, ومِنْ فزَعٍ , تستّرَ الأنامُ بوشاحِ الظلام.
من يحمِلُ النعشَ ؟ من يقرأ عليه مزاميرَ السلام؟
يا سيدي :سألْتَ الربَّ عِلْمًا ,حباكَ حكمةً وقلبًا فهيما,
ما كان مثلَكَ , لا قبلَكَ ولا بعدَكَ في الحُكمِ عليما.
أنصِفْنا , يا حكيمُ , ,وهِبْنا من رُشْدِك.
أمنْ أجلِ الرغيفِ يقضي الغلامُ في بلدِ السلام؟
والريحُ عرشُكَ وهذا الكونُ مِلكُك ؟
أطرقَ الحكيمُ, فاضَتْ من عينِه دمعةُ السقيم
وقال:
لِمَ إذًا حَمَلْنا تابوتَ العهدِ في تيه الصحراء,
ونقَلْنا عن ربِّ موسى الكلام؟
أوْمأ بيدِه للريح ,حضرَتْ على بساطِه
أسرابُ اليمام.
حطَّتْ غيمًا أبيضَ فوقَ جثّةِ الشهيد,
راحَ سُدًى في دَربِ الغياب.
طارَ الحمامُ, نامَ الأنامُ, اختفى سليمانُ.
لمْ يبقَ تحتَ القبابِ سوى صدى الغلام يجوبُ الظلام,
“ما أشهى الرغيف, من فُرنِ عمِّي عفيف, ما أشهى الرغيف”.
الشاعر الفلسطيني محمد بكرية
mbakria@gmail.com