يوم التراث الفلسطيني المرأة توظف التطريز الفلسطيني في السينما والفن التشكيلي والكتب – رقية العلمي

يحتفل الشعب الفلسطيني في السابع من اكتوبر سنوياً “بيوم التراث الفلسطيني” بهدف إحياء التراث والمحافظة عليه من النسيان والسرقة[i].

قد تخصص مراجعتنا هذه لتشمل في السياق فلسطين ونتناول هنا الجزء الأكثر أهمية في التراث الفلسطيني ألا وهو التطريز الفلاحي والثوب الفلسطيني، ولكن هذا الطرح الخاص بفلسطين لن ينفي أهمية أعمال فنون التطريز وأشغال الأبرة اليدوية في البادية والريف والحضر في العالم العربي. حيث أشتهرت كل النساء العربيات بفن الحياكة والتطريز وفنون القطبة والنول والسدو وحِرف أخرى تحيكُ خيوطها غرزات خاصة لكل بلد.

التطريز في فلسطين

منذ البدايات يعتبر التطرير أقدم أشكال الفن فقد ولد مع ميلاد هذه الأرض وواكب كفاح المرأة الفلسطينية وبقي تاريخها الخاص وعملية تأريخ الزي الفلسطيني التقليدي إبداع خاص يُعبر عن رحلة طويلة وموروث ثقافي؛

وبحسب سميح حمودة المؤرخ والباحث من جامعة بيرزيت:

[ يعبِّر التطريز الفلسطيني عن مكوِّن من مكونات الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني، فهو أولاً امتداد لفن عريق عرفته فلسطين منذ مئاتٍ من سنين الاستيطان البشري فيها، فهو يعكس ميزة الثقافة الفلسطينية التي هي مزيج متجانس من ثقافات الشعوب المختلفة التي جاءت لهذه الأرض وسكنتها. لذا نجد التطريز الفلسطيني يختلف عن التطريز عند الشعوب الأخرى في المنطقة، التي لم تعرف التنوع والإمتزاج الثقافي الذي عرفته فلسطين. من ناحية أخرى فإن التطريز الفلسطيني يعكس علاقة الفلاح الفلسطيني بالأرض، ففيه الوردة والسنبلة والشجرة وورقة العنب، وألوان الطبيعة المختلفة، فهو تعبير عن تعلق الفلسطيني ببيئته الطبيعية، وبما تحويه من جمال في الألوان والأشياء].

الثوب في الأغاني والأشعار

إذن كما قال حمودة: [ هو إمتداد لفن عريق عرفته فلسطين ] ترثه الحفيدات عن الجدات ويظهر هذا جلياً في كثير من الأشعار والأغاني الشعبية الفلسطينية والمساهمات حول ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي إنما ساعدت على تعزيز هذا الموروث وإبراز أهميته:

وما كلمات أغنية ( ستي إلها ثوب وشال ) كلمات خالد جمعة وألحان سهيل خوري إلا نموذج على ذلك، التي إنتشرت بسرعة البرق في فضاء الشبكة العنكبوتية: في خلفية ” الفيديو” صور لفلسطينيات يرتدين الثوب والأغنية تحاكي مشاعر الحفيدة وتقديرها الكبير لقصة ثوب جدتها الذي حيك هناك في البلاد، والقطب المطرزة عليه كلمات عززت أهمية توارث الثوب من جيل إلى جيل:

ستي إلها توب وشال

عالتوب مطرّز غزال

جنبه ورود وسنابل

من حواليها سبع جبال

ياستي توبِك محلاه

تسلم إيد اللي سواه

قالت طرزتو بايدي في كرمتنا البعيدة

طرزتو غرزة غرزة

ولبستو ليلة عرسي

هذي الغرزة من يافا

وهذي الغرزة من غزة

والشال اللي ع كتافي حريرو برضو صافي

لو ياستي أحكيلك طول العمر مش كافي

وعرفِت ياستي ليش شالِك عليكي غالي

وصارو شالك مع توبِك أغلى عليَّ من حالي

التطريز في السينما:

الفيلم الوثائقي ” خيوط السرد “[ii] لكارول منصور المُحلق عربياً وعالمياً رسمَ فلسطين من خلال 12 امرأة فلسطينية::

أمام الكاميرا. تستعيد النساء حياتهن قبل الإحتلال، حياتهن الحالية، أحلامهن وفلسطينتهن التي تربطها شيئاً فشيئاً خيوط من فن التطريز القديم. ما بين العشق لبلدهن وقصصهن معه قبل الإنسلاخ عنه بفعل الإحتلال الإسرائيلي عام 1948 وتراث التطريز الذي يعتبرنه أحد عناصر المقاومة ويشددن على الحفاظ عليه كجزء من الحفاظ على تراثهن. تنتمي النساء الاثنتا عشرة المشاركات في الشريط إلى مختلف الطبقات الاجتماعية وهن قادمات من مختلف المناطق الفلسطينية

«خيوط السرد» يمزج قصة فلسطين والتطريز التقليدي من خلال عيون نساء وفيها تربط النساء النضال وحلم العودة والهجرة بفن التطريز

” أذكر ان أمي كانت تبكي كل يوم ” قالت إحدى الراويات.

كما قالت الأخرى بإنها وعدت سيدة أهدتها الثوب الفلسطيني وعدتها بإلا تلبسه إلا لما تتحرر فلسطين[iii].

التطريز في الكتابة

التطريز فن يفرض نفسه بشكل عفوي، ولأنه مرتبط بالذاكرة ويترك بصمات على الشخصية الفلسطينية ونقطة وصل بين الماضي والحاضر فتراه يخرج في المذكرات والكتب والسير الذاتية وأثناء التوثيق. وسنتناول هنا على سبيل المثال لا الحصر عدة نماذج:

في كتابها ” مسيرة أمل، تذكرات فلسطين؛ للكاتبة الفلسطينية سامية ناصر خوري[iv]

نال التطريز حظه في تَذْكَارَاتها عن روب التخرج لطلبة جامعة بيرزيت:

[ كان حفل تخرج أول فوج جامعي من جامعة بيرزيت في العام 1976، ولأهمية الحدث – تخريج طلبة من فلسطين- على ترابها وعلى أرضها، كان لا بد من إعطاء الطابع الفلسطيني وترسيخ أصالته وهويته بتصرف في هذا الحفل، فقمت بتصميم روب التخرج وعليه سنابل القمح وقامت بحياكة التصميم فتيات من جمعية إنعاش الأسرة وخرج الروب مزين بالتطريز وما زال بنفس النمط حتى الآن”.

الدكتورة عايدة النجار في كتابها ” لفتا يا أصيلة :خريفية قرية”

أفردت صفحات عن الثوب الفلسطيني التقليدي المطرز والمعروف” بالثوب الفلاحي “:

[ ويتميز بجماله ورموزه ويحمل الهوية الأصيلة التي ما زالت حية منذ لبسته الجدات الكنعانيات قبل آلاف السنين . بقي له منزلة خاصة لأنه يرمز للأمهات اللواتي طرزنه باليد بالخيط والإبرة، وبألوان الفرح المنقولة عن الأرض الفلسطينية الطيبة ].

كما وخصصت في كتابها “القدس والبنت الشلبية” فصل كامل عنوان ” ثوب القروية الشلبية ” يفصل كل  ما يخص التطريز وفنه وادواته وإتقان المرأة لهذا الفن والوان الخيوط وكل ما له علاقة حول ذلك في منطقة القدس وقراها:

[ إنه التاريخ والبيئة والحياة و تراث غني وثمين، فلنفتخر به ونحافظ على روح الجدات].

التطريز في القصة:

لا أحب لا من قريب ولا من بعيد ان أقتبس من كتاباتي لكني لم اكن بمنأى عن هذا التوجه وأنا أيضاً لا أحب التطريز وحسب بل أتقن فنه وحملت معي ألوان خيوطه الى المغترب:

في قصة  “رضينا بِالهم: [v]

وصفتُ خضرا الفلاحة التي تعيش في بيت بسيط في قرية فلسطينية صغيرة وتعتاش من التطريز الذي تبيعه لجمعية وصفتُ القطبة:

[ رسومات تخطها بخيوط كادت تعمي عينيها، فمرة ترسم عصفوراً ومرة وردة، تطرز الميزان وشجر السرو، كان أجمل تطريز تخيطه غرزة بجانب غرزة، رسمة المكتوب وهي فعلاً عن شكل مظروف تتخليه من خالها المغترب ، تتخيله رسالة من خالها المغترب لإمها، ستموت أمها قبل وصول الرسالة رغم المظروف المطرز الذي سيبقى على القماش الرخيص.]

توثيق التراث:

تجتمع النسوة للتطرير والفضفضة فيما بينهن، الأبرة تمشي سريعاً فتخيط الأخبار والكلام. ومن المناظر المألوفة في فلسطين نساء يجلسن داير الدور يطرزن طول اليوم لحين غروب الشمس حيث يتوقف التطريز.

من الأهمية بمكان أن لا ننسى سميحة خليل ( خالتي أُم خليل)، يرجع الفضل لها في توثيق هذا التراث، بداية إحتضانها المبدعات والمنتجات ممن يمتهنَ التطريز ويعتاشن منه في جمعية إنعاش الأسرة . كما قامت بتوثيق هذا التراث وأتت فكرة جمع تاريخ التطريز بكل مكنوناته كشكل من أشكال ترسيخ الهوية؛ حدث هذا عندما ما وظفت مؤسسات العدو الثوب بنسبه لهم واستعمال صيغته بشكل رسمي، آنذاك نسب مثل هذا الفن لهم اعتُبر ضربة موجهه للمخزون الغالي على الجميع. ردود الفعل كانت قوية فزادت الحملات الشعبية والثقافية وتكاتفت الجهود والبحث الميداني لجمع كل ما يخص هذا الفن الفلسطيني؛ كان هذا قبل الانتفاضةالأولى:

بضمن هذا الحراك الثقافي لمواجهة هذه الهجمة الشرسة قامت اُم خليل بإنشاء مركز للأبحاث الفلسطينية متفرع من جمعية إنعاش الأسرة يهدف الى جمع كل ما يتعلق بمثل هذا، فأنتشر الباحثون في جميع أرجاء الوطن وجمعوا شفاهياً قصة كل غرزة واسمها وتاريخ الخيط ولونه فوثقوا كل غرزة خاصة بكل  قرى ومدن ومضارب البدو في أنحاء فلسطين.

وسُخرت الشرائح الثقافية في فلسطين لتوثيق هذا التراث منهم: نبيل العناني وسليمان منصور، والباحثين مثالاً لا حصراً: عبد العزيز أبو هدبا وشريف كنعانة وعبد اللطيف البرغوثي, مؤرخون وكُتاب تخصصوا في جمع كل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني، والنتاج:

موسوعة الأزياء الشعبية الفلسطينية ودليل فن التطريز الفلسطيني. كما قام المركز بتوثيق التقاليد المتوارثة في الإنجاب والأعراس وحفلات الطهور وأهازيج الوطن والطقوس المتبعة في ليالي السمر .

كما ان هناك اسماء حافظت على التراث المرتبط بالتطريز مثل: وداد قعوار، تانيا ناصر، مها السقا، وربى يوسف وسهام أبو غزالة وسهام الدباغ وسائدة خليل. كذلك ساهمت المعارض الفلسطينية للعالمية في نشر هذه الثقافة من خلال عرض المشغولات والملابس ذات صلة.

كما ان المشاغل والمؤسسات الوطنية ووكالة الغوث كان لهم – ولم يزل – دور وطني مهم يُعنى بتوظيف وتسويق أعمال التطريز اليدوية لفلسطينيات يتقنَ هذه الحرفة.

وثبتت المتاحف الفلسطينية الوطنية والرسمية في زواياها تاريخ وأصل هذا الإرث والموروث مثل متحف بيرزيت، ومتحف التراث الشعبي الفلسطيني والمعروف بمتحف هند الحسيني أو/و متحف دار الطفل العربي، ومتحف جمعية إنعاش الأسرة والمتحف الفلسطيني. ومتحف فلسطين الأثري في القدس، ومتحف غزة ومتاحف أخرى في بيت لحم والخليل ونابلس.

في الفن التشكيلي

عكست الفنانات التشكيليات في فلسطين والمهجر الثوب الفلسطيني فظهر التطريز جلياً في اللوحات والجداريات والأشغال اليدوية الفنية الأخرى فمعظم اللوحات تتجمل بالمرأة وهي ترتدي الثوب المطرز:  على سبيل المثال لا الحصر مثل أعمال الفنانات سامية الزرو وفيرا تماري وتمام الأكحل وفاتن طوباسي وغيرهن.

لماذا الغرزة التراثية وملابس الفلسطينية المطرزة يظهر جلياً في رسومات وإبداعات الفنانات الفلسطينيات؟

طرحت هذا السؤال على الرسامة الفلسطينية شيماء الفاروقي، وهي نفسها تمرر ريشتها وتبرز التطريز في لوحاتها،:

[ تركز الفنانات إبراز التطريز الفلاحي.لإن الفنانة الفلسطينية ابنة بيئتها والتطريز إنعكاس لتراثها وحضارتها وتشبثها بالوطن المسلوب، خاصة وان تراثنا وثقافتنا تتعرض لهجمة كبيرة من قبل العدو الصهيوني حتى انهم في بعض الاحيان ينسبونه لهم. تمسك المرأة بالثوب الذي يُنسج بأنامل فلسطينية أمر مهم وهو رمز فلسطيني فمجرد وضعه في اللوحة يعني الكثير من ناحية وطنية، ثقافية، وتراثية ].

في النهاية أقول لكم: هذا قليل من كثير والحديث عن توظيف المرأة في إبداعاتها لإبراز مثل هذا الفن لا يعني نفيه في الفن التشكيلي ككل، واذا كان تجسيد التطريز والثوب في اللوحات الفنية مسألة أساسية لا يجعلنا نغفل هذا التوظيف الذي يبرز بشكلٍ واضح في أعمال الفنان والمبدع الفلسطيني أيضاً، لأنه القاسم المشترك للذاكرة الثقافية.

والتطريز بزخارفه وألوانه وأشكاله هو مسألة إنتماء وحلقة وصل بين الداخل والخارج وفي كل أنحاء فلسطين وفي المهجر على السواء. وعرض أدبياته ونشره في الفضاء الرقمي بصورة جلية وبكثافة جعل الغرزة تفرض نفسها في كثير من المجالات لا لشيئ الا انه يأتي ضمن الحفاظ على التراث الشعبي من الإندثار والضياع ويصُب في تأصيل الهوية الوطينة وما هذا النتاج الفني الذي يدور حول الفُلك  إنما يأتي بشكل تلقائي وعفوي فيفرض مقولة طالما رددها لنا السلف: [ لكي لا ننسى ]…

[i] وكالة أنباء وفا

[ii] 2017

[iii] عدة صحف ومراجع عربية

[iv] 2014 باللغة الانجليزية  Reflections from Palestine Memoire

[v] جريدة القدس 15 مارس 1992 رقية العلمي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*