عندما يحمل مضمون القصيدة فكرة الفرح، وتأتي الألفاظ ناعمة بيضاء، فهذا يعني أننا أمام قصيدة مطلقة البياض، تُوصل فكرة الفرح من حلال المعنى والمضمون، ومن خلال الألفاظ المجردة، وهذا ما يسعد القارئ ويفرحه، فالفرح الكامن في القصيدة سينعكس إيجاباً عليه، مستمتعا بما يقدم له.
وعندما يأتي العنوان بصيغة نداء، فإن هذا عامل جذب آخر للمتلقي، وبما أنه موجه للأنثى/ للمرأة التي تحمل الراحة والجمال فإن هذا سيدفع به إلى الإسراع في تلقي القصيدة وما تحمله من أفكار ولغة، هذا ما فعله الشاعر فراس حج محمد في قصيدة “يا لذة التفاحة“، وقد نشرها على صفحته في الفيسبوك، واللافت في صيغة النداء استخدام الشاعر لفاكهة شكلها جميل، ورائحتها زكية، وطعمها لذيذ، بمعنى اجتماع كل عناصر الفرح (فيها)، لنتقدم من القصيدة لمعرفة المزيد عن هذه التفاحة.
“يا زهرتي الفوّاحَةْ
يا وردتي
يا قُبلتي المتاحةْ
يا بهجتي، يا مهجتي
يا قِبلتي في اللثمتينِ تشكّلي
هلّي بكلّ الراحةْ”
يستخدم الشاعر صيغة النداء خمس مرات، أربعة منها جاءت بصيغة التمجيد، مبينا جمالها: “زهرتي، وردتي”، وذكاة رائحتها “فواحة، وردتي”، وأثرها الجميل: “المتاحة، مهجتي” فالشاعر لا يتعامل معها كجسد بل كشكل جميل وينثر الجمال والسعادة والفرح والرائحة الطيبة، بعد تمجيدها، يتقدم بطلب منها “تشكلي، هلي” فبدت وكأنها مقدسة، يريدها أن تتجلى له بكليتها وبهائها، فالطلب جاء كاستجداء/ كمنّة منها له، واستخدم الشاعر صيغة الترغيب والتسهيل “بكل الراحة” فحلوها/ حضورها سهل ومريح.
يتقدم الشاعر أكثر من (تفاحته) طالب منها:
“قولي لقلبي يا لقلبي والهاً
هات الهوى عذباً
فقلبك العرّاف واحة
قولي: أحبكَ… أنت روحي والزمانُ
وسيّدي، بَوْحي
وأنت الشرح والكلمات ساحةْ”
الشاعر يتحدث بعاطفة مندفعة وأحاسيس مرهفة، وهذا يظهر من خلال تكرار “لقلبي/ قلبك” ثلاث مرات، ومن خلال استخدامه كلمات تحمل حرف الحاء: “واحة، أحبك، روحي، بوحي، ساحة” الذي يشكل نصف كلمة “حب”، وهنا كلمات جاءت تحمل معنى ألم الابتعاد ولهفة الشاعر للقاء: “ولها، هات، الهوى” فحرف الهاء المشكل لهذه الكلمات الذي يلفظ “آه” كانّه نداء ألم ولهفة وشوق، وبما أنه جاء في بداية ووسط ونهاية الكلمات، فهذا يعكس لهفة الشاعر للقائها بكليته؛ بيده، بعينيه، بل بكل ما فيه، من هنا يمكن القول إن الألفاظ جاءت كتعبير صادر عن العقل الباطن للشاعر، فالألفاظ المجردة تحمل داخلها لهفة الشاعر، وما كانت لتأتي بهذه الشكل دون حضور حالة اللاوعي في الشاعر.
يتقدم الشاعر أكثر من “التفاحة”:
“يا زهرتي الفوّاحةْ
يا ضحكتي الصدّاحةْ
هذا الفؤاد جميعه
أهديكه بكلّ سماحةْ
لتكوني في أنساغه أحلامه
بسيادة الأرواح يا لمّاحة”
السلاسة والانسيابية الكامنة في لفظ كلمات: “الفوّاحة، الصداحة، سماحة، أنساغة، لمّاحة” بدت بشكلها، بلفظها المجرد وكأنه ترحاب (أهلا وسهلا) بك أيتها التفاحة، فمن يستمع لها يشعر براحة وسعة صدر المتكلم، فلكلمة وحروفها ولفظها ومعناها تجتمع معا لتعطي معنى الانشراح لرغبة الاستقبال/ اللقاء والشوق له.
“يا زهرتي
فلتقضمي قلبي الشهيَّ
تجرّدي مثل الجمال مهابة ومَلاحةْ
وتُمتّعي بصباحنا
ولتنشري في ورده إصباحه
يا زهرتي الفواحة
يا سُكّراً… يا لذّةَ التفّاحَةْ”
بعد أن (دخلت) ووصلت إلى (مكان) الشاعر، يستخدم الفاظ (طويلة وثقيلة) “فلتقضمي، تجردي، ولتنشري” ففعل (الأمر) هنا لم يأتِ بصيغة طلب/ دعاء/ استجداء، بل كطلب الند للند، فلم تعد التفاحة بمكانها العالي، بعيد المنال، فهي هنا في (مكان خاص بالشاعر) فبدت كلماته وكأنه (أوقع) بالتفاحة، ولم يعد (دبلوماسيا/ رومنسيا) كما كان في السابق.
وإذا ما توقفنا عند فاتحة القصيدة ومنتصفها وخاتمتها “يا زهرتي الفواحة” نجدها جاءت بمستويات ثلاث، المستوى الأول بدت فيه بشكل مقدس، وقد استخدم فيه صيغة التمجيد، وطلب/ دعاء/ استجداء، والمستوى الثاني جاءت بصيغة التوازن والمساواة فالتفاحة والشاعر بمستوى متقارب ومتماثل، وأما المستوى الثالث فكان الشاعر (أعلى) من التفاحة، لهذا خطابها بصورة (السيد) مستخدما ألفاظ ثقيلة وطويلة، فبدا وكأنه يمارس (سيادته) عليها.