روايةُ الدّم – محمد بكريّة

” على خلفية موجاتِ العنفِ القاتلة في هذا الشرق”

روايةُ الدّم 

لا تُصَدّقْ روايةَ الدّم في الأساطير ,

هو لَونٌ صبّغَ الكلمات
حينَ احمرَّ خيالُ الراوي
من تعبِ الجوابِ والسؤال.

كانَ هوميروس يَحتسِي قَهوتَه على شُرفةٍ عتيقة,
يُطلُّ على أثينا من نوافذِها القديمة,
يرسِمُ سَيفاً وتِرساً , يُسَربِلُ الفارسَ درعاً
ويُلقيه في أرضِ النِزال.

لا تثقْ بشهوةِ الفارسِ للدّم,
في الإلياذةِ والأُوديسا.
لو كانَ الفارسُ قد وجَدَ له صيدًا سهلًا,
ما سبَحتْ في سما إيجا سهامٌ ونبال.

ولَو أَشاحَ الراوي بوجهِه يميناً أوْ يساراً,
ورأى وردةً غارقةً بالنّدى في البستان,
لاخضرّتْ الكلماتُ من فرَحٍ,

ونما فيها الأقحوان.

لكنّها فكرةُ الراوي ,حين تُدْمِسُ عيناه
 ويتعبُ خيالُه من كَسلِ الخيال ,

يحرّكُ التاريخَ كما لمْ يشأْ
وشاءَ ملِكُ طروادةَ , ليكتملَ المشهدُ
ويَرتَضي الهَ الحربِ وربَّ القتال.

أَصابَ فِكرُه المتعبُ كَعْبَ أخِيْلَ بسهمٍ,  

خَرَّ مُضرّجًا , وصارَ ارتدادَ التاريخِ وملحَ السِجالْ.

لا تُصَدِّقْ ساحراتِ شكسبير,
جَمَحْنَ في خيالِهنَّ عبرَ دُخانِ الليالي, 
أنْزَلْنَ عِقابَ الدّمِ على أرضٍ لا ربَّ أوْ حُبَّ فيها.

ولا تُصدِّقْ أنَّ عرشَ التمَنِّي,
مرفوعٌ على أغصانِ الأطفالِ وأعناقِ الرجال. 
هل يَنبُتُ عُشْبٌ في أرضٍ يبَاب ؟
هل يَخضَرُّ في المدى موجُ السّراب؟
إذًا لا تصِّدقْ.
لو كان قابيلُ عن حُبِّ الدنيا زاهدًا
أوْ سليلاً لله مخلصًا,
لَما رفعَ على كفّيْه لشقيقِه نَعْشًا.
لكنْ أصابَه مَسُّ شَبَقِ البدايات,
كما يُصيبُ الخمرُ عُروقَ الغانيات,

إذْ تُصبِحُ غيرَك وتَضلُّ في زُقاقِ الرُؤى
فلا تَرى.
لا تُصدِّقْ أنّ دَمي يَنتصِرُ على دمِكَ دمي,

ونحنُ من آدمَ ونوحٍ, أنا أخوك وهو ابنُ عمّي. 
ترجّلْ أيّها الفارسُ وخُذْ حصانَك إلى حافةِ النهر,
واغفُ إنْ أردْتَ تحتَ زيزفونةِ ظليلة,
إرْوِ ظمًا في عروقِك ارفعْ تِرْسَكَ عاليًا,
وقُلْ:
إنِّي وقدْ انتصرْتُ اليومَ على شهوةِ الدمِ سأُغنَّي. 

سأغفو ملءَ جفنيَّ وأُغنِّي.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*