رحلة داخل القلب لم يصدق نفسه وهو يمسك تصريح العمل (أحمد العلي) نعم هذا اسمه وهذا رقم بطاقته هذا السمسار الملعون له كلمته ولا يرد له مطلب ، هذا ما قاله زميله حسين الحمد حين اقترح عليه الذهاب معه الى العمل في الجنوب ، فاحمد من المغضوب عليهم رغم انه لم يقبض عليه وهو متلبس بعمل غير قانوني، ولكنهم كانوا شبه متأكدين من أن احمد من الرؤوس اليانعة التي يجب قطفها ، فكم من مرة دعوه للتحقيق وتعرض عند الاستجواب الى الضرب الإهانة بهدف كسره ومارسوا على جسده كل أنواع التعذيب، ولكن صمته وقلة أجوبته كانت تقوي شك المحققين بأنه جوزة يجب كسرها ولغز يجب حله.
علت على شفتيه ابتسامه حزينة وهو يحزم أمتعته ، فغدا يسافر الى مكان بعيد ..
لم يسال عن طبيعة العمل أو الأجرة. حسين الحمد جاوبه:” يا أخي .. شو بيصير علينا بصير عليك”، فهو يعرف جشع السمسار وقلة دينه، المهم انه بحاجه الى المال حتى يكون على أهبة الاستعداد إلى حين تنجلي تلك الغمامة السوداء الرابضة فوق قلبه فمنذ أبلغوه برفض لم الشمل لخطيبته عايدة وهو مشلول التفكير لا يدري ماذا يفعل ، والمحققون أرادوا إغراءه عدة مرات بلم الشمل وكل طلب له ملبى ، وبلمح البصر فقط مقابل أن يتعاون معهم : (ساعدنا يا احمد وسنساعدك) قالوا له في كل مرة حققوا معه .
(ينساني قلبي وتنساني عايدة) قالها بصوته الهادئ الواثق ولم يصحو الا وهو على سرير المرض وبقي عدة أيام طريح الفراش .
(احمد ! يلا يا أحمد هسا بتقطعنا السيارة) ناداه حسين الحمد وما هي الا دقائق حتى كان يصعد درجات الحافلة التي ستأخذه الى الغربة الى المجهول ، وما أن تحركت العجلات حتى أحس بقلبه ينقبض وانتابته رعشة سرت في جسده كتيار كهربائي انه يفارق وطنه بل يبعد الجسد عن القلب فكم ضحى من اجل هذا التراب. وكلما زادت تضحيته زاد حبه، ولكن يلعن أبو الحاجة فهو يتيم وهم معيل لامه وأخته وهو بأمس الحاجة الى المال.
(مالك يا احمد سارح صعب الفراق ها؟)
(لا ولا شي بس بفكر إذا نسيت شيء من حاجاتي!!!)
(دير بالك على التصريح ، الطريق مليانة حواجز). قال له زميل آخر مضى الأسبوع الأول من العمل فالعمل صعب ويتطلب جهدا والملعون يجبرهم على العمل ساعات إضافية رغم عملهم طيلة أيام الأسبوع بدون راحة وأحوال السكن والطعام غير مرضيه وغرف النوم أشبه بالزرائب إذا لم تظلم الزرائب بهذا التشبيه ولكن كرمال عيون عايدة يهون كل شيء كانت متعته الوحيدة بعد العمل الذهاب الى شاطئ البحر ويقترب الى اقرب نقطه على الحدود حيث عايدة في المدينة المجاورة في الطرف الثاني من الشريط الحدودي كلها خطوات شربة سيجاره ويكون عندها ولكن القانون والعسكر بالمرصاد كان يعرف بأنه يسافر الى جهة سكن عايدة وأهلها ولكن لم يتوقع هذا القرب ترك قلبه في بلده وها هو يجده هنا، ما أغرب هذه الرحلة أنها رحلة داخل القلب جلس على شاطئ البحر يناجي الموج ويرنو نحو القبلة حيث حبيبته ويتخيل عايدة وهي جالسه على الرمال والموج يداعب قدميها وضع قدميه في الماء ولم يقطع تفكيره سوى صوت المؤذن من الطرف الآخر وتخيل حبيبته وتمنى لو تناجيه عبر المئذنة ولكنه استغفر ربه على خطيئة التفكير ولعن الشيطان .
في المساء توجه نحو الشريط الحدودي كان المكان خاليا ، كانت أسراب الحمام تعبر الحدود ذهابا وإياباً كل الى مرقده بدون حسيب أو رقيب وهل كانت كل القوانين والعسكر تمنع الحمام ؟ رأى طيفا قادما واقترب الطيف وتسارعت دقات قلبه أهي عايدة ناداها فاختلط الصدى مع هدير الموج سمع صوتا ناعما يناديه إنها عايدة إنه يحلم حقا إنه حلم لذيذ واقترب أكثر وشد الخطى ناداها فردت الجبال الصدى (أحمد..أحمد..عايدة …عايد..) فجأة تنير السماء وكأنهما في عز النهار هل انقلب الليل الى نهار هل يحتفل الكون بهذا اللقاء عشرات الزخات من الرصاص سقطت على ذراعه لفها في حضنه وشدها الى قلبه وامتزج الدم الأحمر ليشكل شبه جدول.
في صباح اليوم التالي تسابقت وكالات الأنباء لنشر خبر عن مخربين حاولا التسلل واجتياز الحدود للقيام بأعمال إرهابية…!!…